بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ، ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ، سيد الخلق و البشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين .
أيها الإخوة الكرام ، قبل عدة أسابيع عالجت موضوعاً يمس كل مسلم في الحياة ، عالجت موضوع البيت المسلم ، ووعدت أن أتابع هذا الموضوع فيما بعد ، وها أنا أتابع موضوع البيت المسلم الذي سبق أن ألقيت في هذا الموضوع خطبتين ، وهذه الثالثة والأخيرة .
أيها الإخوة الكرام ، انطلقت من أن هناك أربعين نصيحة لتماسك البيت المسلم ، من جملة هذه النصائح عمل المرأة ، الموضوع كبير جداً ، ويحتاج إلى خطب متتالية ، ولكن ملخصه أنه يمكن للمرأة أن تعمل وفق شرطين :
الشرط الأول : أن يكون هناك ضرورة إلى العمل ، قال تعالى :
[ سورة القصص : الآية 23]
حينما تكون المرأة معيلة لأولادها بعد موت زوجها فلها أن تعمل عملاً يتناسب مع طبيعتها ، وعملاً وفق الضوابط الشرعية ، ففي المنهج الإلهي : } وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنًّ { .
[ سورة الأحزاب : الآية 33]
الأصل هو أن تقرّ المرأة في بيتها ، ولها أن تعمل عند الضرورة ، وفي عمل يتناسب مع أنوثتها وفق الضوابط الشرعية .
النصيحة الأولى : تربية المرأة أولادها :
أيها الإخوة الكرام ، لأن أقدس عمل تقوم به المرأة تربية الأولاد ، أن تقدم للمجتمع عناصر نظيفة منضبطة معطاءة ، وأولادها أكبر شهاداتها ، أما إذا تخلت عن المهمة التي أناطها الله بها فقد ضيعت كل شيء ، ولو أتت بدخل فلكي من خلال عملها ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (( جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، أنا وافدة النساء إليك ، هذا الجهاد كتبه الله على الرجال ، فإن يصيبوا أجروا ، وإن قتلوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون ، ونحن معشر النساء نقوم عليهم ، فما لنا من ذلك ؟ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبلغي من لقيت من النساء أن طاعة الزوج ، واعترافا بحقه يعدل ذلك ، وقليل منكن من يفعله )) .
[رواه البزار والطبراني]
وقد روي : (( وأول من يمسك بحلق الجنة ، أنا فإذا امرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي ، قلت : من هذه يا جبريل ؟ قال : هي امرأة مات زوجها ، وترك لها أولاداً فأبت الزواج من أجلهم )) .
[روي في الأثر]
هذه المرأة التي أحسنت تربية أولادها تنازع رسول الله e دخول الجنة ، لذلك مسموح للمرأة أن تعمل في النظام الإسلامي ، ولكن عند الضرورة ، ووفق الشروط الشرعية ، ولهذا البحث تفاصيل كثيرة تحتاج إلى خطب مستقلة ، لكن ينبغي أن نذكر أن الطيار الذي يقود طائرة ، الآن في الطائرة ثلاث طبقات ، وخمسمئة وثمانين راكباً ، هذا الطيار الذي يقود طائرة فيها خمسمئة راكب هل يعقل أن يدع غرفة القيادة وضبط شؤون الطائرة ليقدم الضيافة للركاب ؟ نقول له : لماذا أنت محصور في هذه الغرفة ، انطلق منها إلى رحاب الطائرة ، بينما ينطلق الطيار من غرفته المحدودة إلى رحاب الركاب ربما أفقدهم حياتهم جميعاً .
أيها الإخوة الكرام ، ما من عمل مقدس للمرأة كأن تحسن رعاية زوجها وأولادها ، الأصل في العولمة الغربية أن تخرج المرأة من البيت ، الأصل أن تخرج ، والآن في العالم الإسلامي نجد امرأة تعمل بدخل زهيد جداً ، لا يكفيها للمواصلات من أجل أن تخرج ، ومن أجل أن تعرض زينتها للناس ، ومن أجل أن تختلط بالرجال ، أما أن تكون مضطرة ، و أما أن يكون العمل وفق خصائصها ، أما أن يكون العمل منضبطاً وفق منهج الله عز وجل فلا شيء عليها في العمل ، بل إن طبيعة الحياة أحياناً تقتضي من المرأة أن تعمل في التدريس ، وفي التمريض ، وفي شؤون كثيرة لا تحسنها إلا المرأة .
أيها الإخوة الكرام ، هذا ملخص الأصل ، } وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ { ، فإذا خرجنَ : } وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ { ، لضرورة ، ومع ذلك فلابد من مراعاة الشروط الشرعية ، كالحجاب الشرعي ، ولا اختلاط ، ولا يخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض .
النصيحة الثانية : حفظ أسرار البيوت :
أيها الإخوة الكرام ، شيء آخر ، حفظ أسرار البيوت : من لوازم البيت المسلم أن تحفظ أسراره ، أسراره في ماذا ؟ عدم نشر أسرار الاستمتاع بين الزوجين ، وعدم تسريب الخلافات الزوجية ، وعدم البوح بخصوصيات أحد الزوجين ، إليكم الأدلة :
عن سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا )) .
[ مسلم ، أحمد ، أبو داود]
[ سورة النساء : الآية 21]
أفضى بعضكم إلى بعض يعني اللقاء الزوجي ، ومن أدلة التحريم أيضاً حَديثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ قُعُودٌ عِنْدَهُ فَقَالَ : (( لَعَلَّ رَجُلًا يَقُولُ مَا يَفْعَلُ بِأَهْلِهِ ؟ وَلَعَلَّ امْرَأَةً تُخْبِرُ بِمَا فَعَلَتْ مَعَ زَوْجِهَا ؟ فَأَرَمَّ الْقَوْمُ ، فَقُلْتُ : إِي وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّهُنَّ لَيَقُلْنَ ، وَإِنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ ، قَالَ : فَلَا تَفْعَلُوا ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِثْلُ الشَّيْطَانِ لَقِيَ شَيْطَانَةً فِي طَرِيقٍ فَغَشِيَهَا ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ )) .
[ أحمد ]
أيها الإخوة الكرام ، محرم بنصوص كثيرة أن يفضي الرجل إلى امرأته ، وأن تفضي إليه ثم ينشر خبر استمتاعهما فيما حولهما .
النصيحة الثالثة : عدم تسريب الخلافات الزوجية :
الأمر الآخر : عدم تسريب الخلافات الزوجية خارج محيط البيت ، فإنه كثيراً ما يتدخل أطراف فيزيدون المشكلة تعقيداً ، لذلك عدم خروج المرأة من بيتها على الرغم من الخلاف مع زوجها يقضي على هذه المشكلة في أقل وقت ، أما إذا خرجت ، وأباحت بما بينها وبين زوجها من خلاف ربما انتهى الخلاف إلى الطلاق .
النصيحة الرابعة : لا لَا ضَرَرَ ، وَلَا ضِرَارَ :
الأمر الآخر نوّه عنه النبي عليه الصلاة والسلام ، فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( قَضَى أَنْ لَا ضَرَرَ ، وَلَا ضِرَارَ )) .
[أحمد]
وما معنى قوله تعالى :
[ سورة التحريم : الآية 10]
نقل ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية فقال : : فكانت امرأة نوح تطلع على سر نوح ، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به ليبطشوا به ، أما امرأة لوط فكانت إذا أضاف لوط أحداً أخبرت أهل المدينة ممن يعملون الفاحشة ليأتوا إليهم ، ليست خيانة فراش ، لا يعقل أن تخون امرأة نبي زوجها خيانة فراش ، ولكن خيانة دعوة ، وأية امرأة تبوح بطبيعة عمل زوجها حيث يأتيه ضرر كبير فهذا أيضاً محرم .
البند الثاني في هذه الخطبة : حفظ أسرار البيوت ، الاستمتاع الزوجي ، وحفظ الخلافات بين الزوجين ، وحفظ ما إذا ما أشيع يصيب الضرر أحد الزوجين .
النصيحة الخامسة : إشاعة الرفق في البيوت :
أيها الإخوة الكرام ، ومن النصائح المعتمدة في البيت المسلم إشاعة خلق الرفق في البيت ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ الرِّفْقَ )) .
[أحمد]
وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ )) .
[مسلم]
وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( يَا عَائِشَةُ ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ )) .
[مسلم]
النصيحة السادسة : إعانة أهل البيت في أعمالهم :
النصيحة التي بعدها : معاونة أهل البيت في عمل البيت : الرجال يأنفون من عمل البيت ، وبعضهم يعتقد أن هذا ينقص من مكانته ومنزلته ، أمّا النبي عليه الصلاة والسلام فكما تروي السيدة عَائِشَةُ أَنَّهَا سُئِلَتْ : (( مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَتْ : كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ )) .
[البخاري وأحمد ، واللفظ له]
النصيحة السابعة : الجو المرح في البيوت :
أيها الإخوة الكرام ، النصيحة التي تليها الجو المرح في البيت ، الملاطفة والممازحة لأهل البيت فكان عليه الصلاة والسلام ينصحنا أن نكون مؤنسين للنساء وللأولاد ، والنصوص التي تؤكد روح النبي e المرحة ، ومزاحه الحق مع أهله ومع أولاده أكثر من أن تحصى ، تسأله عائشة يوماً : كيف حبك لي ؟ فيقول لها : كعقدة الحبل ، تسأله من حين إلى آخر : كيف العقدة ؟ يقول : على حالها ، وكان إذا دخل البيت يدعو الصغار ، ويتحبب إليهم ، ويداعبهم ، ويلاعبهم ، بل ويركبون على ظهره ، لذلك علامة المؤمن أنه إذا دخل إلى بيته كان أهله في عيد ، وغير المؤمن إذا خرج من بيته كان أهله في عيد ، يفرحون إذا خرج من البيت ، بينما المؤمن يفرح أهله إذا دخل البيت .
النصيحة الثامنة : مقاومة الأخلاق الرديئة في البيت :
أيها الإخوة الكرام ، لا يخلو في بيت من البيوت من خلق لا يرضي الله عز وجل ، يتلبّس به أحد أفراد الأسرة ، فكان عليه الصلاة والسلام إذا اطلع على أحد من أهل بيته كذب كذبة لم يزل معرضاً عنه حتى يحدث توبة ، ويبدو أن الإعراض والهجر بترك الكلام والالتفات من أبلغ العقوبات التي تهز كيان الأولاد الأسوياء ، أما العقاب البدني فله أثاره الوخيمة التي لا تحمد عقباها ، ولكن يدعونا النبي عليه الصلاة والسلام بأن نعلق السوط بحيث يراه أهل البيت ، فالرجل المؤمن يلوّح بالعقوبة ، ولا يستخدمها ، كيف أن الله عز وجل أخبرنا في القرآن الكريم :
[ سورة الأنفال : الآية 60]
حينما تملك السلاح الفتاك يرهبك أعداؤك ، ولو لم تستخدمه ، وهذا الكلام له أدلة كثيرة أ، ما حينما لا تملك سلاحاً فتاكاً فهناك من يتهمك بالإرهاب ، ومن يتهم دينك بأنه دين إرهابي ، ومن يتهم القرآن الكريم بأن فيه آيات تدعو إلى القتل ، لأن المسلمين ضعاف ، فلما استضعفوا تهجم أعداءهم عليهم ، قال تعالى :
[ سورة الأنفال : الآية 60]
فلا بد من أن يعلق السوط دون أن يستخدم ليرتدع بعض أفراد البيت ، الحديث في السلسلة الصحيحة : (( علقوا السوط حيث يراه أهل البيت ، فإنه أدب لهم )) ، يعني أكثر تأديباً لهم مما لو فقد العقاب في البيت كلياً .
النصيحة التاسعة : عدم دخول الأقارب غير المحارم على النساء :
أيها الإخوة الكرام ، الحذرَ الحَذرَ ، الحذرَ الحَذرَ ، الحذرَ الحَذرَ من دخول الأقارب غير المحارم على المرأة عند غياب زوجها ، واحتمال وقوع الفاحشة كبير جداً ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول : (( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ )) لم يقل ما خلا كافر بامرأة لم يقل ما خلا فاسق بامرأة ، لم يقل ما خلا عاص بامرأة ، قال : (( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ )) .
[الترمذي]
النصيحة العاشرة : إياكم والاختلاط :
أيها الإخوة الكرام ، الحذر الحذر من الاختلاط في اللقاءات الأسرية ، دع مكاناً للرجال ومكاناً للنساء ، } ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ { .
[سورة الأحزاب : الآية 53]
الحذرَ الحَذرَ من الخادمات والسائقين ، ففي بعض البلاد الإسلامية هناك مشكلة كبرى تعد الأولى في حياتهم ، مشكلة السائق ومشكلة الخادمة ، والحذَرَ الحذرَ من أخطار الشاشة ، والحديث عن الشاشة طويل جداً ، الحذرَ الحَذرَ من أخطار الهاتف ، الشاشة والهاتف والسائقين والخادمات والاختلاط ودخول غير المحارم على الزوجة في غياب زوجها .
أيها الإخوة الكرام ، لعلكم تعجبون من بعض النصائح الآتية :
النصيحة الحادية عشرة : اختيار موقع البيت :
اختيار موقع البيت ، قد يكون الموقع في حي متفلت ، وفي بعض البيوت مسابح ، والبيت الذي اشتريته يطل على هذه المسابح ، والذين عندهم هذه المسابح لا يعبؤون بقواعد الشرع ، ولا بقواعد الأدب ، فحينما يطل الأولاد على هذا المسبح ، ويرون امرأة تسبح عندئذ يختل نظام البيت ، فلا بد من أن تختار بيتاً إلى جنب مسجد ، وفي حي محافظ ، وحولك أناس مؤمنون ، موقع البيت مهم جداً ، فكم من أسرة دمرت بسبب موقع البيت .
شيء آخر ينبغي ، أن يكون التصميم الداخلي للبيت تصميماً إسلامياً ، والآن البيوت الحديثة بلا جدران ، حتى الأبواب عليها بلور شفاف ، فأية حركة في البيت يراها الضيوف ، هذا النظام الحديث جداً ، لذلك المسلم له غرفتان ، الواحدة للرجال ، والثانية للنساء ، المسلم إذا دعا أقرباءه فهناك مكانان ، للنساء مكان ، وللرجال مكان ، أما هذا الاختلاط ، وهذه الأبواب المفتحة ، وهذه النوافذ المفتحة على الجيران ، ولا سيما في البيت ، وهناك أناس خبثاء جداً يستخدمون المناظير ليطلعوا على عورات المسلمين فهذا أمر خطير .
النصيحة الثانية عشرة : اختيار الجار قبل الدار :
شيء آخر أيها الإخوة ، اختيار الجار قبل الدار ، اللهم إني أعوذ بك من جار سوء إن رأى خيراً كتمه ، وإن رأى شراً أذاعه ، اللهم إني أعوذ بك من إمام سوء ، إن أحسنت لم يقبل ، وإن أسأت لم يغفر ، فلا بد من مراعاة الجار .
يروى أن الأمير عبد القادر الجزائري أقام في دمشق ، وكان له جار اضطر إلى بيع بيته ، فدفع له ثمنًا بخسًا ، فغضب غضباً شديداً ، وقال : والله لا أبيع جوار الأمير بثلاثمئة ليرة ذهبية ، فكانت النتيجة أن أعطاه المبلغ ، وقال له : ابقَ جاراً لنا ، من سعادة المرء أن يكون جيرانه صالحين .
أيها الإخوة الكرام ، كان عليه الصلاة والسلام يتعوذ بالله من جار السوء في دار المقام ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَارِ السَّوْءِ فِي دَارِ الْمُقَامِ ، فَإِنَّ جَارَ الْبَادِيَةِ يَتَحَوَّلُ عَنْكَ )) .
[النسائي]
النصيحة الثالثة عشرة : الاعتناء بصحة أهل البيت :
شيء آخر ، البيت المسلم يحتاج إلى رعاية صحية عالية ، فالاعتناء بصحة أهل البيت وإجراءات السلامة ، فكان عليه الصلاة والسلام إذا مرض أحد من أهل بيته نفث عليه بالمعوذات ، وكان إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء ، وبحسب القواعد الطبية في عصر النبي e كان يستخدمها لمراعاة أو لعلاج أهل بيته ، هناك إجراءات لا بد منها ، أحياناً يحترق البيت بأكمله ، لأنها تركت المدفأة متوقّدة في الليل ، أحياناً ينفجر البيت ، لأن أسطوانة الغاز لم تكن محكمة الإغلاق ، فلذلك عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أَغْلِقُوا أَبْوَابَكُمْ وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ ـ ضعوا عليها الخمار الغطاء ـ وَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ ، وَأَوْكُوا أَسْقِيَتَكُمْ ـ أي شدوا رباطها ـ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا ، وَلَا يَكْشِفُ غِطَاءً ، وَلَا يَحُلُّ وِكَاءً ، وَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ الْبَيْتَ عَلَى أَهْلِهِ ، يَعْنِي الْفَأْرَةَ )) .
[ متفق عليه ]
أي تسحب الفأرة فتيل السراج فيشتعل البيت ، لو تتبعنا المصائب الكبيرة التي أصابت البيوت لمخالفة هذه البنود ، فعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( لَا تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ )) .
[متفق عليه]
أيها الإخوة الكرام ، هذه النصائح أربعون نصيحة في خطب ثلاث من أجل صيانة البيت المسلم من التفتت ، ومن الضياع ، هذه النصائح كلها مؤصلة بالقرآن الكريم ، وبحديث سيد المرسلين عليه أتم الصلاة والتسليم .
أيها الإخوة ، يقول الإمام علي كرم الله وجهه : " قوام الدين والدنيا أربعة رجال ، عالم مستعمل علمه ، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم ، وغني لا يبخل بماله ، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه ـ الآن دققوا في تفصيل ذلك ـ فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم ، وإذا بخل الغني بماله باع الفقير آخرته بدنيا غيره .
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .
* * * الحمد لله رب العالمين ، و أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أيها الإخوة الكرام ، هذا عن البيت المسلم ، فماذا عن مؤتمرات السكان التي عقدت تباعاً خلال النصف القرن الماضي ، وكان آخرها مؤتمر بكين الذي عقد في عام خمسة وتسعين ، وبعد شهرين سيعقد المؤتمر الأخير مؤتمر السكان ، هذه المؤتمرات واللهِ أعتقد أنكم لا تصدقون ، هذه المؤتمرات تؤكد بكل وثائقها المعتمدة بحق المرأة والفتاة في التمتع بحريتها الجنسية ، آمنة مع من تشاء ، وفي أي سن تشاء ، الحرية الجنسية الكاملة للزوجة ، أو للفتاة مع من تشاء ، وفي أي سن تشاء ، وليس بالضرورة في إطار الزواج الشرعي ، مع تقرير الإباحة الجنسية ، وإلزام جميع الدول في الموافقة على ذلك ، هذه عولمة المرأة .
أسوق لكم هذه المقررات التي صدرت ، وأقرتها مئة وتسعة وثمانون دولة ، وسوف تصل هذه إلى تشريعاتها ، وقوانين الأحوال الشخصية فيها ، وسوف تعاقب الدولة التي لا تنفذ هذه التعليمات ، وازنوا بينها وبين شرع الله عز وجل ، وإلزام جميع الدول بالموافقة على ذلك مع المطالبة بسن القوانين التي يعاقب بها كل من يعترض على هذه الحرية ، حتى ولو كان المعترض أحد الوالدين ، وهذا يستدعي تقليص ولاية الوالدين حتى ولو كانت تلك الممارسات داخل البيت ، لو أن الأب رأى مع ابنته في فراشها صديقاً لها يجامعها ينبغي ألاّ ينطق بكلمة ، هكذا تقضي القوانين ، يجب أن تعلموا ماذا يخطط لنا ؟ يجب أن تعلموا أن قوة هذه الأمة بتطبيق دينها ، فإذا أجبرت على التخلي عن دينها أصبحت أمة كأية أمة ، لا وزن لها في الأرض .
وللفتاة والفتى ، أنا ألخص لكم ما جاء في مؤتمرات عديدة ، ولكن أبرز هذه المؤتمرات مؤتمر القاهرة ، ومؤتمر بكين ، والآن مؤتمر بعد أشهر ، هو المؤتمر الأخير ، وللفتاة والفتى أن يرفع الأمر إلى السلطات التي ستلزم بسن قوانين تعالج أمثال هذه الشكاوى ، المهم أن تعطى الفتاة أو الشاب الحرية التامة في أي سن قبل الزواج بالممارسات الإباحية ، ولو في بيت الوالدين ، هذه المؤتمرات تطالب بحق المراهقات الحوامل في مواصلة التعليم دون إدانة لهذا الحمل السفاح ، فالوثيقة تدعو إلى سن قوانين للتعامل مع حمل السفاح لتكون وثيقة تدخل بها الحامل إلى المستشفى لتسقط الجنين ، وهي آمنة من أية مساءلة ، مع إباحة الإجهاض ، أما المرأة فلها أن تسافر متى تشاء بلا إذن زوجها ، ولها أن تعمل بأي عمل تشاء من دون إذن زوجها ، ولها أن تسكن في أي مكان تشاء بعيداً عن زوجها ، هذا من حق المرأة ، أما كلمة الزوج فلم تذكر في هذه الوثائق ، ولا مرة ، لأن الزواج يعد في هذه الوثائق عملية اغتصاب للزوجة ، وأن تعمل الزوجة عملاً بلا مقابل .
ولم ترد كلمة الوالدين إلا مصحوبة بعبارة ، أو كل من تقع عليه مسؤولية الأطفال ، لأن في الزواج المثلي ليس هناك والدان ، ولكن هناك شركاء ، ولم ترد كلمة الزوج ولا مرة ، جاء بديلاً عنها الشريك ، وعقد الزواج عقد زواج بين شخصين ، وقعت على هذه التوصيات مئة وثلاث وثمانون دولة لتصبح هذه المقررات مرجعية في العلاقات الأسرية .
أيها الإخوة الكرام ، هذا ما يراد لنا ، وهذه العولمة ، وما من تعريف جامع مانع للعولمة إلا الحيونة ، أن يعود الإنسان لحيوانيته ، أنا لا أصدق أن ندرج جميعاً تطبيق هذه التوصيات إن شاء الله تعالى ، لأن وعي المسلمين أكبر بكثير من هذا الشيء الساقط ، لا نعرف قيمة هذا الدين ولا عظمة هذا التشريع إلا أن نوازنه مع هذه التشريعات الأرضية التي تجعل الإنسان يعبد الجنس من دون الله .
أيها الإخوة الكرام ، إما أن تخطط ، وإما أن يخطط لك ، إما أن تخطط لهدف واضح ، وإما أن تكون رقماً لا معنى له في خطة أعدائك ، فلا بد من أن أدعوكم إلى اليقظة ، إلى ترسيخ معالم هذا الدين ، إلى تطبيق هذه الشريعة الغراء ، ولكن أريتكم الشيء الذي لا يصدق هذا الذي يرسم لشعوب العالم الثالث ، هذا الذي سوف يصدر ، ولا أبالغ الدولة التي لا تغير قوانين أحوالها الشخصية وفق هذه التوصيات ربما عوقبت بحصار اقتصادي ، أما الدولة التي تطبق هذه القوانين فربما أعطيت مساعدات جزيلة ، القصد أن العالم الغربي لأنه انتهى يريد أن يجعل العالم كله على شاكلته عن طريق قوة القانون ، وعن طريق هيمنة القطب الواحد .
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ، ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك و نتوب إليك ، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان ، في العراق وفلسطين ، يا رب العالمين ، خذ بيد ولاة المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .
والحمد لله رب العالمين