لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ، ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ، سيد الخلق و البشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِ ، وسلم ، وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارض عنا وعنهم ، يا رب العالمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علِّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام ، هذه الخطبة موجّهة إلى كل شاب وشابة يعيشان سن المراهقة ، وإلى كل شاب صالح وشابة صالحة يسعيان لإعفاف نفسيهما ، ويدركان خطورة الشهوة ، وموجهة إلى كل شاب وشابة أطلقا لشهواتهما العنان ، ويبحثان الآن عن مخرج ، وموجهة إلى كل شاب وشابة غافلين لم يستفيقا بعد من وحل الشهوة ، وهذه الخطبة موجهة إلى كل أب وأم يدركان مسؤولية تربية الأولاد ، وموجهة أيضاً إلى كل معلم ومعلمة يعنيهما واقع هذا الجيل ، بمناسبة سعار المستعرة ، والتفلت الأخلاقي ، وأن المرأة تعرض كل مفاتنها في أي مكان ، وفي أي مجال ، في الصحيفة ، وفي المجلة ، وفي الإنترنت ، وفي الفضائيات وفي أي مكان، وأن سعار الجنس وصل إلى درجة لم يسبق لها مثيل .
إلى هؤلاء جميعاً أيها الإخوة الكرام أوجه هذه الخطبة ، نبدأ بالإيجابيات ، لأن الله سبحانه وتعالى يصف أنبياءه العظام أنهم يعبدون الله رهباً ورغباً ، ولابد من التوازن بين الرجاء والخوف .
ثمار العفة أيها الإخوة الكرام لا تقدر بثمن ، من ثمراتها أن صاحب العفة يشعر بالفلاح ، ويسمع ثناء الله عليه ، فالناس عادة يفرحون بثناء البشر والمخلوقين ، ويعتزون بهذا الثناء ، فالطالب أحياناً يفرح بثناء معلمه عليه ، والطالبة تفرح بثناء معلمتها ، وحينما يكون الثناء والتزكية ممن لهم شهرة بين الناس تعلو قيمة الثناء ، فكيف إذا كان هذا الثناء من خالق البشر رب العالمين ؟ وفي الحديث عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَعْجَبُ مِنْ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ )) .
[أحمد في المسند]
مستقيم ، وما من شيء أكرم على الله من شاب تائب .
أيها الإخوة الكرام ، يقول الله عز وجل :
[ سورة المؤمنون ]أيها الإخوة الكرام ، إن ثناء الله عز وجل لا يعدله ثناء ، إنه شهادة من الله عز وجل ، الله عز وجل في وعده لعبادة المؤمنين بالجنة قال :
[ سورة الأحزاب : الآية 35]
ثم يقول :
[ سورة المؤمنون ]
والنبي عليه الصلاة والسلام ، وهو الذي لا ينطق عن الهوى يقول : (( مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ ، وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ )) .
[البخاري ، الترمذي ، أحمد عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ]
ضبط لسانه ، وضبط طعامه ، أكله من حلال ، وضبط فرجه ، فله الجنة .
أيها الإخوة الكرام ، حينما يعف الشاب عن محارم الله ، وحينما يحفظ جوارحه ينطبق عليه وعد الله بالجنة .
أيها الإخوة الكرام ، اسأل عالماً أمضى وقته وحياته في طلب العلم ، وتعليم العلم ، اسأل عابداً تحمل متاعب العبادة ومشاقها ، اسأل مجاهداً في سبيل الله ، اسأل داعية واصلَ سهر الليل بكد النهار ، وهو يحمل كدّ الدعوة ، اسأل هؤلاء جميعاً : لم يصنعون ذلك ؟ إنهم سيجيبونك إجابةً واحدة : نريد الجنة ، ووجه الله عز وجل ، والشاب الذي يعف عن محارم الله ، والشاب الذي يغض بصره عن محارم الله ، والشابة التي تتحجب فلا تؤذي عباد الله ، هؤلاء جميعاً في نص القرآن الكريم ، ونص السنة النبوية الصحيحة لهم الجنة .
إذاً هم استحقوا ثناء الله عز وجل ، ولا ثناء يعدل ثناء الله عز وجل ، واستحقوا وعد الله عز وجل بالجنة ، والنعيم المقيم ، ولا وعد يعدل هذا الوعد العظيم .
أيها الإخوة الكرام ، ثمرة ثالثة للعفة : إنها الطمأنينة ، وراحة البال ، راحة البال لا يعرفها إلا من فقدها ، فالذي يسير وراء شهوته المحرمة يعاني عذاباً وجحيماً لا يطاق :
[ سورة طه ]
أيها الإخوة الكرام ، إن الهم الذي يشغل سائر الناس لا يشغل المؤمن ، وإن القلق الذي يعتري سائر الناس لا يعتري المؤمن ، وإن الخوف من المجهول الذي هو ديدن الناس لا يصيب المؤمن :
[ سورة طه : الآية 123]
[ سورة البقرة : الآية 38]
أيها الإخوة الكرام ، من ثمار العفة والاستقامة وغض البصر وضبط الجوارح لذة الانتصار على النفس ، ولئن كان اللاهون العابثون يجدون لذة في ممارسة الحرام فالشاب العفيف والشابة العفيفة يجدان من لذة الانتصار على الناس أعظم مما يجده أصحاب الشهوات ، أصحاب الشهوات في الوحول ، وأصحاب الطاعات في جنات القربات ، وفرق كبير بين أن تكون في جنة القرب ، وأن تكون في وحل الشهوة .
أيها الإخوة الكرام ، أما المخاطر التي تنتظر من انساق وراء شهوته ، يقول الله عز وجل:
[ سورة الفرقان ]
أيها الإخوة الكرام ، وقبل عذاب الآخرة هناك عذاب القبر ، وثمة أحاديث كثيرة صحيحة تؤكد أن الزناة لهم عذاب في القبر قبل عذاب النار .
أيها الإخوة الكرام ، والذي يلفت النظر أن الآيات الكريمة التي تنهى عن الفاحشة تنهى عن الاقتراب من الفاحشة ، لأن طبيعة هذه الشهوة متميزة ، لو بدأ الإنسان بأول الخطوات ، فهذه الخطوات الأولى لابد من أن تقوده إلى النهاية الحتمية ، لذلك قال تعالى :
[ سورة الإسراء : الآية 32]
شيء آخر ، إن الشيطان يجعل من المرأة أهمّ حبائله ، وقد ورد أن النساء حبائل الشيطان، وأنه واثق من هذا الفخ الذي ينصبه للمؤمن :
[ سورة الأعراف ]
هذا فعل الشيطان ، والمرأة هي شبكته الأولى ، فخه الأكبر :
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ )) .
[ البخاري ، مسلم ، الترمذي ، ابن ماجه ، أحمد ]أيها الإخوة الكرام ،
[ سورة آل عمران : الآية 155]
أنت حينما تطاوع الشيطان في خطوة أولى جزئية بسيطة لا تلقي لها بالاً هذه الخطوة الأولى البسيطة يستطيع من خلالها أن ينفذ إليك :
[ سورة آل عمران : الآية 155]
أيها الإخوة الكرام ، أنت حينما تمشي في مكان مفتوح ، وتقرأ لوحة مكتوب عليها : ممنوع التقدم ، حقل ألغام ، لا تجد حقداً في نفسك على من وضع هذه اللوحة ، بل لعلك تشكره عليها ، لا ترى أن هذه اللوحة هي حد لحريتك ، بل هي ضمان لسلامتك ، وفرق كبير بين من يفهم حدود الشرع حدوداً لحريته ومن يفهمها ضماناً لسلامته .
أيها الإخوة الكرام ، إن قلب العبد وعاء لا يخلو من محبوب يرجى ، ويخاف فواته ، والضدان لا يجتمعان :
[ سورة الأحزاب : الآية 4]
فإذا امتلأ القلب بحب الشهوات فليس فيه مكان للطاعات ، وإذا امتلأ القلب بحب خالق الأرض والسماوات فليس فيه مكان للشهوات ، يجب أن تعلم علم اليقين أن هذا الوعاء لابد من أن يملأ بصنف واحد ، فإذا ملئ محبة لله عز وجل وانضباطاً له وطاعة له وطلباً لمرضاته فلا مكان فيه للشهوات ، قد يمارس الإنسان الشهوة التي سمح الله بها ، وليس في الإسلام حرمان :
[ سورة طه : الآية 123]
[ سورة القصص : الآية 50]
المعنى المخالف : أنه من يتبع هواه وفق منهج الله عز وجل فلا شيء عليه .
أيها الإخوة الكرام ، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى : بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره فلو خير بين رضاه ورضا الله لاختار رضا معشوقه على رضا ربه ، ولقاء معشوقه أحب إليه من لقاء ربه ، وتمنيه لقربه أعظم تمنيه لقرب ربه ، وهربه من سخطه عليه أشد من هربه من سخط ربه ، يسخط ربه بمرضاة معشوقه ، ويقدم مصالح معشوقه وحوائجه على طاعة ربه " .
[إغاثة اللهفان (2/151) ]
هذه حقيقة ثابتة ، لأن الله سبحانه وتعالى ما جعل لعبد من قلبين في جوفه ، يقول عليه الصلاة و السلام ، وكأنه معنا ، و هذا الذي ينبئنا به عن علم الغيب ، وعن المستقبل ، وعن آخر الزمان ، وعن أشراط الساعة مما أعلمه الله به ، فالنبي عليه الصلاة و السلام لا يعلن بذاته إلا أن يعلمه الله عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : (( يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ... )) .
[ ابن ماجه ] حينما يقف وزير إيطالي يقول : أنا شاذ جنسياً ، في مؤتمر صحفي ، وحينما يقف وزير الصحة البريطاني ، ويقول : أنا شاذ جنسياً ، وحينما تقف ملكة ، وتقول : أنا زنيت مرات عديدة ، الأولى مع فلان ، والثانية مع فلان ، وحينما يعيَّن سفير لدولة عظمى ، ومعه شريكه الجنسي ، الفاحشة قد ترتكب ، أما حينما تصل إلى درجة قد يعلن عنها ، أن يفتخر بها ، أن توضع إشارة في أذن الشاب على أنه منحرف ، هذا شيء بلغ حداً لا يطاق .
أيها الإخوة الكرام ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : (( يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ ، لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا ، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا ، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ...)) .
[ ابن ماجه ]
ثلاثمئة مليار دولار مودعة في بنوك الغرب جمدت عقب أحداث الحادي عشر من أيلول ،
(( ... إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ )) .
وكأن النبي عليه الصلاة والسلام معنا ، وهذا من إخبار الله له .
أيها الإخوة الكرام ، من بعض الإحصاءات المعتمدة أن مرض الزهري والسيلان في إحصائية عام السابع والسبعين بعد التسعمئة والألف بلغ خمسين مليونًا ، السيلان مئتان وخمسون مليونًا ، في عام واحد وثمانين بلغ المصابون بمرض الهيلبس التناسلي عشرين مليوناً في بلد واحد غربي فقط ، وأخيراً ابتلي العصر بطاعون العصر ، وهو الإيدز ، الذي انتشر بسلسلة هندسية ، ويبلغ الذين ينقل إليهم المرض يومياً على مستوى العالم عشرة آلاف إنسان ، وفي كل دقيقة يصاب ستة أشخاص دون الخامسة بعدوى الإيدز ، وفي عام ألفين لقي ما يقرب ثلاثة ملايين شخص من حاملي هذا المرض مصرعهم في عام واحد ، وقد تسبب الإيدز في إضافة ثلاثة عشر مليوناً من الأطفال إلى قائمة الأيتام ، ويقدر عدد المصابين في عام ألفين بأربعة وثلاثين مليون مصاب في العالم بهذا المرض ، والحقيقة الرائعة أن العالم الإسلامي بسبب تمسكه بأهداب الدين يعد الحزام الآمن الأخضر لهذا المرض .
أيها الإخوة الكرام ، يقول الإمام علي رضي الله عنه : " يا بني العلم خير من المال ، لأن العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق " .
رجل ثري ذهب إلى إيطاليا ، ونزل في أحد فنادقها ، وسمح لنفسه أن يلتقي بامرأة ، فكتبت له رسالة على المرآة : مرحباً بك في نادي الإيدز ، فما كان منه إلا أن انتحر .
أيها الإخوة الكرام ، هذه العقوبات العاجلة في الدنيا ، دققوا في قوله تعالى :
[ سورة الروم : الآية 41]
هذا الطاعون طاعون هذا العصر هو بعض الذي عملوا ، لعلهم يرجعون .
أيها الإخوة الكرام ، ما أسباب هذا الفلتان ؟ ما أسباب هذا السعار ؟ ما أسباب هذه الفوضى؟ ما أسباب هذه الإباحية ؟ إنها ضعف الإيمان ، الإيمان أس الفضائل ، ولجام الرذائل، إن الإيمان بالله عز وجل هو الضمانة والوقاية من المعصية ، وهو الصخرة التي تتحطم عليها شهوات النفس الجامحة ، فكلما ضعف إيمان العبد كان أكثر جرأة على محارم الله ، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن العبد لا يواقع الفاحشة إلا حين يؤتى من ضعف إيمانه ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ... )) .
وأنا حينما أتحدث عن الزنا أقصد به كل مستوياته ، فالعين تزني ، وزناها النظر ، واللسان يزني بالكلام ، واليد تزني باللمس ، وهناك الزنا الأكبر .
أيها الإخوة الكرام ، السبب الأول ضعف الإيمان ، إن أردت أن تتحصن من هذه الانحرافات التي شاعت بين الناس فعليك بتقوية إيمانك ، عليك بلزوم مجالس العلم ، عليك بأن تكون محاطاً بمؤمنين أطهار ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((يَقُولُ لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ )) .
[الترمذي ، وأبو داود ، وأحمد]
السبب الثاني : جليس السوء ، يقول الله عز وجل :
[ سورة الفرقان : الآية 28]
الإنسان عليه أن يقيم أصدقاءه ، ومن يتعامل معهم ، ومن يسهر معهم ، ومن يلتقي معهم ، فإذا كانوا شاردين عن الله عز وجل يزيّنون للإنسان المعصية ، ويبغضون له الطاعة ، فهؤلاء :
[ سورة المائدة : الآية 51]
[ سورة الفرقان : الآية 28]
هذا يقال يوم القيامة .
أيها الإخوة الكرام ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : (( الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ )) .
[ البخاري ، مسلم ، أحمد ]فانظر من تحب ، هل تحب مؤمناً أم غنياً ؟ هل تحب مؤمناً أم فاسقاً ؟
[ سورة السجدة : الآية 18]
أيها الإخوة الكرام ، في حديث آخر رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ )) .
[أحمد ]و في حديث عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ ...)) .
[ البخاري ، مسلم ، أحمد ]أيها الإخوة الكرام ، حينما تشعر أن هذا الصديق يزيّن لك المعصية ، وأن هذا الصديق ليس ملتزماً ، وأن هذا الصديق يبغضك بالطاعة فلا ينبغي أن تقطعه تدريجياً ، ينبغي أن تقطعه فوراً ، وبشكل جدي ، وإلا كان الهلاك منه .
أيها الإخوة الكرام ، السبب الثالث : هو إطلاق البصر ، إطلاق البصر هو الشرارة التي تثير الغريزة المكبوتة ، إن هذه الصور التي تخزنت في العقل الباطن تكون تحت الشعور بشكل دائم هي التي تحمس الإنسان لارتكاب المعصية ، لذلك قال تعالى :
[ سورة النور ]
أيها الإخوة الكرام ، قال بعض العلماء : النظرة تولد الخاطرة ، والخاطرة تولد الفكرة ، والفكرة تولد الشهوة ، والشهوة تولد الإرادة ، ثم تقوى الإرادة فتصير عزيمة ، ثم يقع الفعل ، هذه السلسلة ، كيف ينتقل الإنسان من نظرة إلى خاطرة ، إلى فكرة ، إلى شهوة ، إلى إرادة ، إلى عزيمة ، إلى فعل ، لذلك الشريف من يهرب من أول خطوة من أسباب الخطيئة ، الله عز وجل يقول :
[ سورة الإسراء : الآية 32]
الإنسان شهوته كأنها صخرة مستقرة في قمة جبل ، فإذا زحزحتها عن مكانها بقصد أن تنحدر في الجبل متراً أو مترين فلابد أن تستقر في قعر الوادي ، فالبطولة أن تبقي هذه الشهوة مكينة في مكانها ، لا أن تزحزحها بقصد حركة بسيطة ، ثم يفاجأ الإنسان أنه وصل إلى الفاحشة الكبرى .
أيها الإخوة الكرام ، وسبب آخر : هو الوحدة والفراغ ، نفسك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر ، أخطر شيء عند الشباب الفراغ ، إذا ملئ وقت الشاب بدراسة جادة ، باكتساب مهارة عالية ، بنشاط دعوي ، بمطالعة كتاب ، بلقاء مع إخوته الكرام ، حينما يمتلئ الوقت بالإيجابيات يختفي وقت السلبيات .
أيها الإخوة الكرام ، العلاج قوة الإيمان ، هذا العلاج الأول ، أن يكون لك مرجع ديني ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : (( إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا ، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ ، قَالُوا : مَهْ ، مَهْ ، فَقَالَ : ادْنُهْ ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا قَالَ : فَجَلَسَ ، قَالَ : أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ ، قَالَ : فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ )) .
[ أحمد ]الإنسان إذا كان له مرجع ديني ، له مسجد يرتاده ، له شيخ يثق بعلمه وورعه يسأله ، يستفتيه ماذا أفعل ؟ أما هذا الشارد غير المنضبط هذا يرتكب حماقة تلو الحماقة ، ولا أحد ينصحه ، لذلك لابد من تقوية إيمانك ، لأن الستة آلاف مليون إنسان في الأرض كلهم من دون استثناء يحبون وجودهم ، وسلامة وجودهم ، وكمال وجودهم ، واستمرار وجودهم ، لكنهم يشقون بسبب الجهل ، والجهل أعدى أعداء الإنسان ، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به .
أيها الإخوة الكرام ، إذا كنت مع الله كان الله معك :
[ سورة الحجر : الآية 42]
[ سورة الأعراف : الآية 201]
أيها الإخوة الكرام ، هل من العقل ، هل يليق بك مؤمنًا أن تتصفح مجلات داعرة ، أو أن تتابع مسلسلات فاجرة ، أو أن تكون ممن يتصل ببرامج ليس فيها إلا عرض مفاتن النساء ؟ مليارات تتجه إلى جيوب من يديرون هذه البرامج ، وأنت لا تشعر ، وأناس يموتون من الجوع .
أيها الإخوة الكرام ، شيء آخر ، الزواج المبكر ، هذا الشاب الذي عنده مأوى من أي نوع، عنده فتاة تعجبه ، ومناسبة له ، وعنده قوت يومه يجب أن يقبل على الزواج ، ذلك لأن حديثاً في الجامع الصغير إذا قرأته يقشعر منه جلدك : (( حق المسلم على الله أن يعينه إذا طلب العفاف )) .
وعَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ : بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : (( مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ )) .
[ البخاري ، مسلم ، الترمذي ، النسائي ، أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد ، الدارمي ]
يا ترى الصوم عن الطعام والشراب ممكن ، وهذا المعنى المتبادر من الكلمة ، ولكن هناك معنى آخر : أن تبتعد عن المثيرات ، عن طرقات فيها كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، عن أماكن عامة تعرض فيها المرأة بأبهى زينتها ، عن مجلس يذكر فيه مغامرات الزناة ، أن تعرض عن موضوع ، أو عن عمل ، أو عن مسلسل ، أو عن مشاهدة لمحطة فيها المرأة تظهر بكل مفاتنها ، الصيام يمكن أن يوسع بشكل أو بآخر ، فعليه بالصيام ، والله عز وجل يقول :
[ سورة النور : الآية 32]
والحديث الصحيح الذي يملأ قلب كل شاب ثقة وأملاً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ ، الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ )) .
[ الترمذي ، النسائي ، ابن ماجه ، أحمد ]
شيء آخر ، الإنسان حينما يتزوج ، وهو يسعى لهذا الزواج من منكم يصدق أن له عند الله أجراً كبيراً ، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : ... (( قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ يَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ ؟ قَالَ : أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ ؟ وَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ )) .
[ مسلم ، أبو داود ، أحمد ]
وأنت حينما تبتغي العفاف ، وقد لا أملك لك الحل ، ولكن الله متكفل لك بالحل حينما تبتغي العفاف ، فإن معونة الله تكون معك ، و إذا كان الله معك فمن عليك .
أيها الإخوة الكرام ، الإنسان حينما يطلق بصره ، ويتوهم إطلاق البصر من الصغائر يقع في كبائر .
أيها الإخوة الكرام ، الصغائر يحتقرها الناس ، ولكن هذه الصغائر من فتنة الشيطان ، إن الشيطان يئس أن يعبد في أرضكم و لكن رضي فيما دون ذلك مما تحقرون من أعمالكم.
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ )) .
[ أحمد ]
أيها الإخوة الكرام ، لا تنس أيها الشاب ، ولا تنسي أيتها الشابة أنكما في معركة دائمة مع عدو لدود يدعوانكما للهلاك في كل سبيل :
[ سورة الأعراف : الآية 17]
لكن المؤمن المعتز بالله ، الملتجئ إلى الله ، هذا المؤمن في حصن حصين :
[ سورة النحل ]
أيها الإخوة الكرام ، الشاب حينما يقع في الصغيرة ، و يكرر الوقوع فيها يستمرئها ، وتهون عليه ، وتصبح جزءاً من عاداته ، الآن يأتي الشيطان فيغريه بالأكبر ، وما يزال الشيطان يغريه من صغيرة إلى أكبر ، ومن كبيرة إلى أكبر حتى يقع في الفاحشة الكبرى :
[ سورة آل عمران : الآية 155]
أيها الإخوة الكرام ، من العلاجات النافعة أن تختار الجلساء من الصالحين الخيار ، عندهم ابتسامة صادقة ، عندهم علم غزير ، عندهم رحمة ، عندهم صدق ، يجب أن تختار إخوانك من المؤمنين الصادقين :
[ سورة الكهف : الآية 28]
ورد في الأثر أن أولياء أمتي إذا رؤوا ذكر الله بهم ، إذا كنت مع المؤمنين كنت في حصن ما دمت معهم ، لذلك عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ قَالَ : (( لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ ، قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَا تَقُولُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا ... )) .
[مسلم]
أنت إذا دخلت بيتاً من بيوت الله ، والتقيت بإخوانك المؤمنين الأطهار تشعر براحة ، وتشعر بسمو لذلك : إن بيوتي في الأرض المساجد ، و إن زوارها هم عمارها ، فطوبى لعبد تطهر في بيته ، ثم زارني ، و حق على المزور أن يكرم الزائر .
أما لو اتخذ الإنسان أصدقاء وخلانًا من الشاردين العصاة المذنبين ينطبق عليه قوله تعالى :
[ سورة الفرقان : الآية 27]
و في آية أخرى :
[ سورة البقرة : الآية 166]
هذه كلها آيات تؤكد أنه لابد من أن تكون مع المؤمنين :
[ سورة التوبة : الآية 119]
أيها الإخوة الكرام ، الإنسان حينما يعف ، وحين يستقيم يشعر بالأمن الحقيقي ، قال تعالى:
[ سورة الأنعام ]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ، الْإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ : إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ )) .
[ البخاري ، مسلم ، الترمذي ، النسائي ، أحمد ، مالك ]
أيها الإخوة الكرام ، لماذا خصّ النبي عليه الصلاة والسلام الشباب ؟ لأن الشاب مظنة غلبة الشهوة ، لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى ، وهذا الكلام يشمل الشباب والشابات ، ويقول بعض العلماء في شرح هذا الحديث : المتمسكون بأهداب الشرع في آخر الزمان كأن أحدهم يقبض على الجمر .
أيها الإخوة الكرام ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، و اعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .
* * *الحمد لله رب العالمين ، و أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أيها الإخوة الكرام ، لو تتبعنا سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ماذا كان يفعل في اليوم والليلة ؟ هناك من تتبع سيرته ، واستخلص الحقائق التالية :
أولاً : كان عليه الصلاة والسلام يعمل ، وفي إحصاء دقيق جداً أن البلاد المتقدمة بالمقياس المادي فقط ، البلاد التي سيطرت على العالم يعمل فيها كل مواطن ما يزيد على ست ساعات عمل متواصل ، بينما الناس في بلاد متخلفة لا يعملون إلا سبع وعشرين دقيقة فقط في اليوم ، فلو أردنا أن نطبق قوله تعالى :
[ سورة الأنفال : الآية 60]
فلابد من أن تعمل ، تاجراً ، موظفاً ، طالباً ، امرأة في البيت ، فلابد من وقت للعمل ، للعمل الذي أسميه أنا الجهاد البنائي ، هناك جهاد نفسي ، جهاد النفس والهوى ، هناك جهاد دعوي :
[ سورة الفرقان : الآية 52]
هناك جهاد بنائي ، أعدوا لهم ، ينبغي أن يكون لك اختصاص ، ينبغي أن تتقن حرفة ، ينبغي أن تكون يدك هي العليا ، ينبغي أن تستخدم المال الذي تكسبه في حل مشكلات المسلمين ، لا ينبغي أن تكون عالة ، لا ينبغي أن تعيش على فتات الآخرين ، ينبغي أن تكون الأول في كل شيء فلابد من وقت تبذله للعمل .
وكان عليه الصلاة والسلام يعبد الله ، يصلي الليل ، فلو أنك عاهدت نفسك أن تصلي ركعتين فقط قبل الفجر ، وأن تقرأ صفحات من كتاب الله ، وأن تذكر الله بالأذكار التي أثرت عن النبي عليه الصلاة والسلام ، وأن تصلي الفجر في جماعة فقد طبقت جانب العبادة في حياة النبي e ، ولابد لك من ساعة تمضيها مع الناس لتمتين العلاقة بهم إما مع زوجتك ، أو مع أولادك ، أو مع أقاربك ، أو مع جيرانك ، أو مع زملائك ، أو في مسجد ، أو في دعوة ، هذا أيضاً وقت ، ولابد من وقت تقوم به جسمك ، المسلمون يدفعون مبالغ فلكية لمعالجتهم من الأمراض التي أهملوا الوقاية منها في شبابهم ، فلو أن الإنسان كما يقال في بعض الكتب النفسية : إن ثلاثة أشياء ما من واحدة منها إذا اختلت إلا وأثرت في الجانبين الآخرين ، علاقتك بربك ، وعملك ، وصحتك ، وينبغي أن نضيف أسرتك ، أربعة مرتكزات في حياة الإنسان ، أيّ خلل بواحدة انعكس على الجوانب الأخرى ، علاقتك بربك ينبغي أن تكون عامرة بطاعتك له ، وأدائك للعبادة ، وعملك الصالح ، وعلاقتك بأسرتك ، فالآخرون أنت لهم، وغيرك لهم ، أما أهلك فمن لهم غيرك ؟ هذه الثانية ، وصحتك قوام عملك الصالح ، و رزقك قوام كرامتك .
إذاً حينما تعتني ، حينما تنظم الوقت بين عمل جاد بنائي تحصل فيه رزقاً ، تكون فيه يدك هي العليا ، وبين عناية بالصحة التي هي وعاء العمل ، و بين عناية بالعلاقات الاجتماعية من دعوة إلى الله ، وأمر بالمعروف ، ونهي عن المنكر ، وصلة للرحم ، و بين أن يكون لك رزق تكسبه ، وتمرينات تجريها كي يبقى جسمك عماد حياتك .
أيها الإخوة الكرام ، إني داع فأمنوا : اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ، ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك و نتوب إليك ، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام ، وأعز المسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، أذل أعداءك أعداء الدين يا رب العالمين ، شتت شملهم ، فرق جمعهم ، خالف فيما بينهم ، اجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين ، اللهم أرنا قدرتك بتدميرهم كما أريتنا قدرتهم في تدميرنا يا رب العالمين ، إنك سميع قريب مجيب الدعاء .
الحمد لله رب العالمين