بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله الذي قدر كل شيء فأحسن قدره، وابتلى الإنسان بما يسره وما يسوؤه ليحسن في الحالتين شكره وصبره، وجعل لعبده مما يكره أملا فيما يحب، ومما يحب حذرا مما يكره، فسبحانه واهب النعم، ومقدر النقم، له الحمد في الأولى والآخرة، لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه، وكل نعيم زائل إلا جنته، وصلى الله على سيدنا محمد الذي أوذي في سبيل الله أبلغ إيذاء، فلم يزده ذلك إلا إيمانا ومضاء، وعلى آله وصحبه الذين كانوا في السراء حامدين شاكرين، وفي الضراء خاضعين صابرين، وسلم تسليما كثيرا.
قد جرت سنة الله تعالى كما قضت حكمته أن يجعل معجزة كل نبي مشاكلة لما يتقن قومه ويتفوقون فيه، فقوم عيسى –عليه السلام- كانوا مهرة بالطب فكانت كذلك معجزة عيسى –عليه السلام- بأنه يحي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص. فكانت معجزته أقدر من قدرتهم، وقوم موسى –عليه السلام- إمتازوا بالسحر فجاءت معجزته مبطلة لهذا السحر فألقى العصى فأصبحت ثعبانا يلتقط سحرهم.
ولما كان العرب قوم بيان ولسان وبلاغة، كانت معجزة النبي –صلى الله عليه وسلم- الكبرى هي: "القرآن الكريم"، فتحدى الله تعالى العرب –وهم أهل الفصاحة- والعالم كله في كل جيل بأن يأتوا بمثله فقال تعالى:« أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣)فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (٣٤)» [سورة الطور: 33-34]
وقال أيضا: « قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا» [سورة الاسراء: 88]. فلما عجزوا عن الاتيان بمثله تحداهم بعشر سور. فقال تعالى: « أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٣)فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤)» [سورة هود: 13-14].
ثم تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة، ولو من قصار السور فقال تعالى: « أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» [سورة يونس: 38].
لقد تميّز القرآن الكريم بأسلوبه البياني البديع، فرغم كل البحوث التي أنجزت لتعيين مواقع الإعجاز القرآني وشرحها إلا أنّه ما زال معجزة أدبية وعلمية في شتى الميادين وعبر كل الأجيال لكونه كلام الله تعالى المنزّل وحيا إلى الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم- إلى البشرية جمعاء.