خطبة جمعة بتاريخ 31 / 03 / 2006 ، خ1 : تيسير الزواج ، خ 2: المعاشرة بالمعروف - لفضيلة الأستاذ محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ، و نسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ، سيد الخلق و البشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً ، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه ، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، لا أزال أردد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح المتعلق بالشام ، فقد ورد عنه : (( أنه بينما أنا نائم إذا عمود هذا الدين قد سلّ من تحت رأسي ، فأتبعته بصري ، فإذا هو بالشام ، فعليكم بالشام في آخر الزمان )) .
[أحمد في المسند]
تأتي الوقائع المتجددة لتؤكد مصداقية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .
أيها الإخوة الكرام ، من نافلة القول ، ومن المسلمات أن الله عز وجل أودع في الإنسان الشهوات ، وما أودع الشهوات في قلبه إلا ليرقى بها مرتين صابراً وشاكراً إلى رب الأرض والسماوات .
أيها الإخوة الكرام ، الشهوة حيادية ، إما أن تكون سلماً نرقى بها أو دركات نهوي بها لأن الإنسان مخير كل شهواته حيادية قد يرقى بها وقد يسقط بها ، من هذه الشهوات المتغلغلة في أعماق النفس كما قال الله عز وجل :
[ سورة آل عمران : 14]
الحقيقة الدقيقة أنه ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها ، وتأكدوا أيها الإخوة الكرام ، أنه ليس في الإسلام حرمان إطلاقاً ، لكن فيه تنظيم ، وطهر ، ورقي ، وسمو ، لذلك أيها الإخوة الكرام العولمة التي أتتنا من الغرب ، والتي فرضت علينا ، وكنت أقول لكم دائماً : كانوا يجبروننا بالقوة المسلحة على أن نفعل ما يريدون ، لكنهم الآن وجدوا بالإمكان أن يجبروننا بالقوة الناعمة ، المرأة ، لا على أن نفعل ما يريدون ، بل على أن نريد ما يريدون ، وهذا الفساد العريض الذي عمّ الأرض ، قال تعالى :
[ سورة الروم : 41]
أيها الإخوة الكرام ، الأرقام والإحصائيات يكاد الإنسان لا يصدقها ، أروج تجارة الآن تجارة الرقيق الأبيض ، سبعمئة ألف امرأة كل عام تدخل تجارة الدعارة عن رضى ، أو عن احتيال ، أو عن إجبار ، وقد عمّ الفساد الأرض ، وتنادى بعض إخوتنا الكرام ، وأسسوا جمعية سموها جمعية الإعفاف ، وحضرت قبل يومين افتتاحها ، والذي رأيته والله من الخير العميم في هذه البلدة الطيبة ما لا يصدق ، هذا مصداق قول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره )) .
[الترمذي عن أنس]
لذلك أيها الإخوة الكرام ، هناك مشكلة في العالم الإسلامي تكاد تقع على سلم الأولويات ، في الرقم الأول مشكلة الشباب ، الشاب قنبلة متفجرة ، فإما أن نرعاه ، ونحقق طموحه وفق منهج الله ، وإما سيكون الشباب أحد أسباب دمار هذه الأمة ، لذلك أيها الإخوة الكرام ، ما لم يفكر عقلاء الأمة ، وأغنياء الأمة ، وأقوياء الأمة ، وعلماء الأمة بهذه الشريحة الكبيرة التي استثيرت استثارة لا حدود لها ، لأن ثمة ثلاثة وعشرين مليون موقع إباحي في الإنترنت ، و ثمانمئة محطة فضائية ربعها يبث الدعارة والفحش ، فإن لم نحصن شبابنا فالويل لنا .
أيها الإخوة الكرام ، في المنطق والعقل لا بد من سلم الأولويات ، والذي رأيته في هذا اللقاء الأول ومن السخاء الذي بذله المحسنون ما لا يصدق ما لا يصدق ، ذلك لأن الأمة بشبابها ، ولأن مستقبل الأمة بشبابها ، ولأن قوة الأمة بشبابها ، ولأن مجد الأمة بشبابها ، والشباب كما وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام فقال :
(( ريح الجنة في الشباب )) .
[ورد في الأثر]
وما من شيء أحب إلى الله عز وجل من شاب تائب .
أنا أصدر هذه الصيحة لأقوياء الأمة ، ولعلمائها ولعقلائها ، ولمفكريها ، ولأولياء الأمور وللأباء والأمهات ، ما لم ترع قضية الشباب فنحن في طريق الدمار .
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت أخلاقهم فإن ذهبت أخلاقهم ذهبوا
***
أيها الإخوة الكرام ، من نافلة القول أن أوضح لكم أن الذي قاله النبي عليه الصلاة والسلام ليس من بيئته ، وليس من ثقافته ، وليس من اجتهاده ، وليس من تفكيره ، وليس من استنباطاته ، ما قال الذي قال إلا عن وحي يوحى :
[ سورة النجم ]
أول قضية في هذا الموضوع أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا ))
[الترمذي عن أبي حاتم المزني]ٍ
أي إن لم تفعلوا ، هل تلغى علاقة الذكر بالأنثى ؟ أبداً ، الجواب : لا ، ولكنها تأخذ مساراً آخر ، مساراً غير شرعي ، فإما أن تلبى هذه الحاجة وفق المسار الشرعي ، وإما أن تلبى عند ضعاف المؤمنين بمسار غير شرعي ، لذلك (( إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير )) .
وما تمنيت في حياتي أن يكون الرقم غير صحيح إلا في اجتماع عقد في إحدى الوزارات ، ونطق أحد المسؤولين بأن عدد بيوت الدعارة يقترب من سبعين ألف بيت في دمشق ، ألف بيت ، (( إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير )) ، ووصلنا إلى الفساد الكبير .
أيها الإخوة الكرام ، بادئ ذي بدء الزواج من هدي الأنبياء والمرسلين ، قال تعالى :
[ سورة الرعد : 38]
وكان عليه الصلاة والسلام يقول :
(( ... أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي )) .
[ متفق عليه عن عائشة ]
هذه سنة النبي عليه الصلاة والسلام ، ويقول الله عز وجل :
[ سورة النور : 32]
أي زوجوا ، من هم الأيامى ؟ الأيّم كلمة تعني أي شخص ذكرًا كان أو أنثى لا قرين له ، قال تعالى :
[ سورة النور : 32]
ما معنى الآية الكريمة إذا وجهت إلى المجموع ؟ هي موجهة حكماً إلى من يلي أمر المجموع ، الأقوياء والأمراء مسؤولون عن عقبات توضع أمام زواج الشباب ، ومسؤولون أيضاً عن صوارف كثيرة تصرف الشباب عن طاعة الله عز وجل ، << وإن الله يَزَع بالسلطان ما لا يَزَع بالقرآن >> .
أيها الإخوة الكرام ، ما من عبادة تعبدها الفتاة لربها أعظم من أن تعف الشباب بستر مفاتنها ، لذلك هذه التي تبدي كل مفاتنها في الطريق يظن أنها بريئة ، ولكن إنما تساير صرعات الأزياء الأخيرة ، ولو علمت كم من الشباب فتن بها ، وكم من الشباب انحرف ، إما أنه انحرف فيما بينه وبين نفسه ، أو انحرف بتعاطي الفاحشة ، والسبب هذه التي أبدت مفاتنها .
أنا أذكر لكم قصة رواها لي بعض الإخوة الكرام ، وهذه القصة من صميم الواقع ، رآها في مقابلة بين شاب في بلد عربي إفريقي أدمن على اغتصاب الفتيات وقتلهن ، بلغ عدد الفتيات اللواتي قتلهن ما يزيد على اثنتي عشرة فتاة ، إحدى الباحثات الاجتماعيات طلبت من وزير الداخلية هناك أن يسمح لها بإنشاء لقاء على الشاشة بينها وبين هذا الشاب المجرم ، هو جاهل جهلاً مطبقاً ، لا يقرأ ، ولا يكتب ، بل لا يحفظ سورة الفاتحة ، بل لا يعرف أن ينطق بالشهادة ، فلما سئل عن هذه الجرائم الكثيرة التي اقترفها قال : كل هذا بسبب ما ترتديه هذه الفتيات ، إذاً هناك مصطلح جديد اسمه تحرش المرأة بالرجل ، لا عن طريق لسانها ، بل عن طريق ثيابها ، قال تعالى :
[ سورة الأنفال : 73]
لذلك حينما تستر الفتاة مفاتنها عن الأجانب هي والله قديسة ، وهي والله مكرمة عند الله ، وهي والله تنافس الرجال دخول الجنة .
أنقل لكم ما في بعض الكتب الصحيحة من قول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( أول من يمسك بحلق الجنة أنا ، فإذا امرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي ، قلت : من هذه يا جبريل ؟ قال : هي امرأة مات زوجها ، وترك لها أولاداً فأبت الزواج من أجلهن )) .
[ورد في الأثر]
إنها تنازع رسول الله دخول الجنة ، لذلك إذا كان للرجال عبادة خاصة بهم كعبادة الجهاد فللنساء عبادة خاصة بهن ، أنا أسميها عبادة إعفاف الشباب عن طريق الحجاب .
أيها الإخوة الكرام ، يمكن أن ترقى المرأة بحجابها وستر مفاتنها عن الأجانب إلى أعلى درجات الجنة ،
(( اعلمي أيتها المرأة أعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله )) .
[ورد في الأثر]
أيها الإخوة الكرام ، وهؤلاء الميسورون يستطيعون أن يصلوا إلى أعلى درجات الجنة ببذل ما لهم لتزويج الشباب ، إلى أعلى درجات الجنة ، لأن هذه مشكلة كبيرة جداً من مشكلات المجتمع الإسلامي فهذا الذي يقيم عقد قران في فندق من ذوي الخمس نجوم ، ويدفع عشرات الملايين كان بإمكانه أن يزوج مئة شاب بما ينفق في ليلة واحدة ، وهذه الهدايا التي تقدم في الأعراس ، وفي عقود القران يمكن أن نستبدلها بمساعدات لصندوق يرعى الزواج في بلدنا ، وهذه الورود التي قد تزيد على بضعة ملايين لليلة واحدة يمكن أن تفرح بها مئة فتاة خطبها شاب مؤمن وسترها .
أيها الإخوة الكرام ، ما لم نغير فالله لا يغير ، قال تعالى :
[ سورة الرعد : 11]
هذه الجمعية جمعية إعفاف الشباب ، والفتاة يمكن أن تكون عضداً لجمعية إعفاف الشباب بأن تستر مفاتنها عن الشباب فتسهم في إعفافهم ، والأغنياء بإنفاق أموالهم بإنشاء المساكن بترويج حاجات الزواج بأسعار معتدلة ، بإلغاء العقبات الكأداء التي توضع أمام الشباب ، بإبعاد الشباب عن الصوارف الفاتنة إلى المعاصي والآثام يسهمون جميعاً في إعفاف الشباب .
أيها الإخوة الكرام ، سيدنا عمر سأل أحد ولاته : << ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ قال : أقطع يده ، قال : فإن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك ، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم ، ونستر عورتهم ، ونوفر لهم حرفتهم ، فإن وفّينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها ، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل ، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً >> .
أخ كريم سألني سؤالاً مصيرياً : قال عندي معمل ، والمواد الأولية ليست متوافرة ، وأنا لا أربح شيئاً ، وعندي ما يكفيني حتى آخر عمري ، فعزمت على إغلاق المعمل ، وتسريح العمال ، قلت : كم من عامل عندك ؟ فقال : ثمانون عاملا ، فقلت له : أنت باستمرارك ولو لم تربح تفتح ثمانين بيتاً ، وهذا أكبر ربح عند الله ، أنت تهيئ فرص عمل لثمانين أسرة ، هذا أكبر ربح عند الله عز وجل ، وجزاه الله خيراً فقد استجاب لي ، وتابع العمل ، وقد حلت مشكلته .
ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، أحياناً هناك أعمال يصل بها الإنسان إلى أعلى عليين ، والذي لفت نظري من حضور افتتاح هذه الجمعية أن كل القائمين عليها من الشباب المثقفين الواعين الملتزمين .
وثمة خبر آخر أثلج صدري ، أن عدد الجمعيات التي أسست من أربع سنوات إلى الآن يزيد على ألف جمعية من أجل خدمة المجتمع .
أيها الأخوة الكرام ، يجب أن نقول بملء أفواهنا : انقضى عهد النوم ، ويجب أن نقول أيضاً بملء أفواهنا : انتهى عهد الكلام ، نريد الأفعال ، الذي جمع في حفل واحد الرقم لا يصدق ، وهذا يؤكد مصداق النبي عليه الصلاة والسلام :
(( الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة )) .
[ورد في الأثر]
ماذا يمنع أن تلغي هذه الهدية ، قطعة من الزجاج أو صحن ، أو شيء تقدمه في عقد قران ابنتك ، لو ألغيت هذا ، وأديت لكل من دعوته إيصالاً لجمعية ترعى تزويج الشباب بألف ليرة ، وقد فعلها بعض المؤمنين ، ما الذي يمنع أن تقدم كتاباً لا أقول : مصحفاً ، كل بيت فيه الآن مئة مصحف ، كتاب في الفقه ، كتاب في السيرة ، كتاب في الحديث ، بدل قطعة الزجاج الذي ليس لها محل في البيت ، ماذا يمنع أن ترجو المدعوين بعدم إرسال الزهور ، يكفي باقة أو باقتين ، وتنفق الباقي في تزويج الشباب ما الذي يمنع ؟ إلى متى ونحن تحكمنا عادات وتقاليد بالية إلى متى ؟ إلى متى يئن الشباب والشابات ، والله الذي لا إله إلا هو كلما اتصلت بي أخت تسألني على استحياء أن أبحث لها عن زوج يتقطع قلبي ألماً ، من حقها أن تتزوج ، من حقها أن تكون أماً ، لكن الزواج أصبح قاصراً على من عنده بيت ، على من يؤمن نفقات ليست معقولة .
أيها الإخوة الكرام ، لا تنسوا هذا الحديث الشريف :
(( إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير )) ، والفساد الكبير حصل ، والآن نريد أن نخفف أخطاره ، نريد أن نحصن الشباب والشابات .
أيها الإخوة الكرام ، يقول الله عز وجل :
[ سورة المؤمنون ]
إذاً من صفات المؤمن أنه يحفظ شهوته من أن تساق في غير قناة الزواج ، لذلك قد لا يملك بعضكم معلومات دقيقة جداً عن الفساد في الأرض ، لأن الطرق الشرعية مغلقة الآن ، وهناك زواج عرفي تتفق فيه فتاة مع زميلها ، ويعقدان عقداً لا أصل له في الشريعة ، لأن الطرق إلى الزواج مغلقة ، اخترعوا عقد زواج عرفي ، واخترعوا زواج ( الفرند ) ، والآن نحن أمام أنواع من الزواج لا يعلمها إلا الله ، كلها غير شرعية ، لأن الطرق الشرعية مغلقة ، ما لم ندع المظاهر ، ما لم ندع كلام الناس ، ما لم ندع افتخارنا بأزواج بناتنا ، وبدخلهم وبموقع بيتهم ، وبأثاث بيتهم فلن يرضى الله عنا .
أيها الإخوة الكرام ، أحد التابعين الكرام خطب ابنته الوليد بن عبد الملك الذي بنى الجامع الأموي ، فاعتذر ، وزوجها لأخ عنده فقير ، وفي اليوم نفسه طرق بابه ، في يوم خطبتها ، وعقد القران طرق باب تلميذه ، فقال : من الطارق ؟ قال : سعيد ، فقال هذا الشاب : والله تصورت كل من حولي من اسمه سعيد ، فلم يخطر على بالي أن شيخي هو الطارق ، فلما فتح الباب فوجئ ، دفع إليه ابنته ، وقال له : هذه زوجتك يا بني .
ما لم نضع تحت أقدامنا التقاليد والعادات والخزعبلات ، والتي تدعو إلى الفخر فلن تصلح أمورنا .
أيها الأخوة الكرام ، يقول سيدنا عمر : << من دعاك إلى غير الزواج فقد دعاك إلى غير الإسلام >> .
ورأى رجلاً لم يتزوج على كبر سنه فقال : << لا يدع النكاح إلا من فجور ، أو من مرض >> .
أما الإنسان السوي فينبغي أن يتزوج ، وأن المجتمع السوي ينبغي أن يخفف أو يزيل العقبات أمام الزواج .
هل تصدقون أيها الإخوة الكرام أن النبي عليه الصلاة والسلام ارتقى بالزواج إلى مستوى العبادة ، فقال عليه الصلاة والسلام :
(( وفي بضع أحدكم صدقة )) .
[مسلم عن أبي ذر]
أنت إذا تزوجت ، وسترت فتاة ، وهي سترتك أيضاً فهذا العلم عند الله عبادة ، وهو صدقة ، (( وفي بضع أحدكم صدقة )) .
وهل تتصورون أن المال الذي تنفقه على زوجتك هو عند الله صدقة قال : وإنك لا تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها ، حتى ما تجعل في فم امرأتك من طعام ، هذا الطعام الذي تأتي به ، وتأكله زوجتك هو عند الله صدقة ، أي عبادة .
أيها الإخوة الكرام ، ليس هناك مجال للحديث عن فقرات الزواج ، هذه الموضوعات أشبعت ، ولكن الحديث عن حركة من أولياء الأمور ، ومن أولياء الشباب ، ومن أولياء الفتيات ، ومن أغنياء الأمة ، ومن عقلاء الأمة ، ومن مفكري الأمة ، ومن خطباء الأمة للحث على تخفيف العقبات ، وتسهيل المهمات ، وتقديم المساعدات ، لأنه ما من شفاعة أفضل عند الله من شفاعة النكاح ، وقد ورد في بعض الآثار : << من مشى بتزويج رجل بامرأة كان له بكل كلمة يقولها ، وبكل خطوة يخطوها عبادة سنة ، قام ليلها وصام نهارها >> .
لا تلتفتوا إلى كلام الشياطين ، " امشِ في جنازة ولا تمشي في زواج " ، هذا كلام الشياطين ، << من مشى بتزويج رجل بامرأة كان له بكل كلمة يقولها ، وبكل خطوة يخطوها عبادة سنة ، قام ليلها ، وصام نهارها >> .
أيها الإخوة الكرام ، مهما تحدثنا عن المفاسد ، أنا أطمئنكم أن هذه المفاسد لا تصل إلى المؤمنين ، قال تعالى :
[ سورة النحل : 99]
أنا أخاطب الشباب بحديث رسول الله ، افتحوا الجامع الصغير ، هناك مجموعة أحاديث تزيد على عشرين حديثاً تبدأ بكلمة حق ، حق الوالد على ولده ، حق الولد على والده ، حق الزوج على زوجته ، حق الزوجة على زوجها ، إلى أن تصل إلى حديث إذا قرأته يقشعر جلدك حق المؤمن على الله أن يعينه إذا طلب النكاح ، هذا حق شرعي للشاب ، إذا سأل الله في صلاته ، يا رب ، هيئ لي فتاة مؤمنة تسرني إذا نظرت إليها ، وتحفظني إذا غبت عنها ، وتطيعني إن أمرتها ، هذا شاب يستجيب لدعوة الله له ، لك حق على الله ، أن يعفك إذا طلبت العفاف .
أيها الإخوة الكرام ، آلاف القصص التي قد لا تصدق سببها أن شاباً مؤمناً اتقى أن يعصي الله ، فغض بصره عن الحرام ، وهيأ الله له زوجة صالحة تسعده ، ويرتاح من ضغوط كثيرة أمامها .
أيها الإخوة الكرام ، بقي أن ننشر وعيًا أمام إخوتنا ، مفاده أن الله إذا أمر المجموع فقال تعالى :
[ سورة النور : 33]
طبعاً هذا الأمر يرقى إلى مستوى الندب ، وقد يصل إلى الفرض ، وقد يقترب من الفرض فيكون واجباً ، ذلك لأن الفساد إذا استشرى عمّ الفساد المفسد والفاسد ومن رضي بالفساد ، فحينما أرسل الله الملائكة لإهلاك قرية قالوا : يا رب ، إن فيها صالحاً ، قال : به فابدءوا ، لمَ يا رب ؟ قال : لأن وجهه لا يتمعر إذا رأى منكراً .
فلذلك لا بد من حركة المجتمع ، لا بد من تخفيف العقبات ، والله لقد سمعت عن بلدة في الغوطة أكبرت أهلها إكباراً لا حدود له ، أن عقلاءها اجتمعوا ، واتخذوا قراراً بأن أي مهر لأية فتاة لا يزيد على خاتم ذهب ، وعن ساعة ، فقط هذا المطلوب من الفتى ، وغرفة فقط ، وما لم نفعل هكذا فالطريق مسدود إلى سلامة المجتمع .
أيها الإخوة الكرام ، العولمة تعني فرض الإباحية ، وهناك أخبار سارة جداً ، وهناك أخبار سيئة جداً ، السيئة سببها أن العالم الغربي بعد أن أصبح قوياً ، وبعد أن أصبح القطب الأوحد ، وبعد أن أصبح يملي إرادته على كل الشعوب أراد أن ينقل إلينا إباحيته فقط ، لكنني أعلم علم اليقين أن هذا منع منعاً كلياً .
قبل زمن قصير كان في بعض الفنادق حوار بين النظراء في موضوعات لا نستطيع سماعها ، ولا رؤية المشاهد التي اقترفت في أثناء الحوار ، من أجل تعميم الوعي الجنسي عند الشباب ذكوراً وإناثاً ، وقد تنادى العلماء جزاهم الله خيراً إلى إنكار هذا ، وقد استجيب لهم فوراً ، ومنع ، وكان الذي حصل من دون ترخيص ، ومن دون إذن ، ولكن سوف يلقى هؤلاء جزاءهم العادل .
أيها الإخوة الكرام ، الغرب يريد أن يفرض إباحيته علينا تحت اسم العولمة ، ولم أجد تعريفاً جامعاً مانعاً لكلمة العولمة سوى الحيونة ، أي أن نعود بالإنسان إلى حيوانيته فقط .
أيها الإخوة الكرام ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .
* * *
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أيها الإخوة الكرام ، ثمة إحصاء سمعنا به ، والحقيقة أنه مؤلم جداً ، وهو أن نصف سكان سوريا من النساء غير متزوجات ، والأصل أن يكون عدد المتزوجات من النساء تسعين بالمئة أو خمسة وتسعين بالمئة من هن في سن الزواج ، لكن الإحصاء الدقيق أن نصف سكان هذا البلد الطيب بدون أزواج ، امرأة تعيش وحدها تنتظر من يطرق بابها ليخطبها ، و سوق الزواج بائرة ، وسوق الدعارة رائجة ، وهذه مشكلة كبيرة :
[ سورة الروم : 41]
إخوانا الكرام ، في هذه العجالة الصغيرة أريد أن أبين أن بعض الحالات التي تمّ فيها الزواج سريعاً ما ينتهي إلى الطلاق بسبب أم جاهلة ، أو أب جاهل ، أو بسبب حمق من الزوج ، أو حمق من الزوجة ، فنعمة الزواج نعمة كبيرة ، والزوجة التي لا تقدر نعمة الزواج قد تعاقب بالطلاق ، والزوج الذي لا يقدر نعمة الزواج يعاقب بأن هذه المرأة طلبت الخلع منه بمحض اختيارها ، فالذي عنده زوجة ، وعنده أولاد هذه نعمة ينبغي أن يرعاها .
وأنا والله أيها الأخوة الكرام ، أقول دائماً حينما ترفع بعض الشكاوى في موضوع الخلافات الزوجية : إن الطلاق لا تحل به المشكلة ، بل تبدأ به المشكلات ، و لاسيما إذا كان هناك أولاد لهذين الزوجين الذين قررا الانفصال عن بعضهما .
أيها الإخوة الكرام ، ما من أب أعقل ممن يحسن صورة صهره أمام ابنته ، وما من أم أعقل من التي تحسن صورة الزوج أمام ابنتها ، وما من أب آخر أعقل ممن يحسن صورة الزوجة أمام زوجها ، وما من أم أعقل من التي تحسن صورة الزوجة أمام ابنها ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( ليس منا من فرق )) .
[ ورد في الأثر]
وهناك آلاف حالات الطلاق بسبب كيدي ، والفتاة هي الضحية ، والشاب هو الضحية ، حينما يركب الآباء رؤوسهم ، ويصروا على تطليق أولادهم أو بناتهم من أزواجهم كي يشفوا غليلاً ، أو يحققوا مأرباً ، هؤلاء لا يرتقون إلى مستوى الآباء الصالحين ، (( ليس منا من فرق )) ، والطلاق يهتز له عرش الرحمن .
أيها الإخوة الكرام ، قد تتعلم البنت كل شيء ، تدرس هندسة أحياناً ، وقد لا تستخدم هذا الاختصاص إطلاقاً ، لأنه متعلق بالإسمنت والبناء ، وما شاكل ذلك ، ولكن الأم والأب لا يعلمانها شيئاً من آداب الزواج ، ومن واجبات الزوجة .
أنا سمعت عن بلد إسلامي في شرق آسيا أُعجبت به أيما إعجاب ، حينما أسس مدرستين ، الدراسة فيهما تستمر ستة أشهر ، ولا تقتصر الدراسة على الكتب وإلقاء المحاضرات ، بل على تدريبات عملية ، لا يعقد عقد زواج في هذا البلد الإسلامي إلا لشاب دخل هذه المدرسة ، ونجح في الامتحان ، ولشابة دخلت مدرسة الإناث ونجحت في الامتحان ، يُعلم الشاب مهمات الأب ، وواجبات الأب ، وحقوق الزوجة ، وأصول المعاملة ، وحسن المعاشرة ، وكيف يتلافى الخطأ ، وكيف لا يفرط بهذا الزواج ، وتعلم الفتاة كيف ترعى حقّ زوجها ، و حقّ أهله ، و كيف تكون مطيعة ، و كيف تسعد به ، ويسعد بها .
أنا أرى أن هناك حماقات ترتكب لا حدود لها من زوج جاهل ، أو زوجة شابة مغرورة ، ينتهي هذا إلى الطلاق ، وبالطلاق تبدأ المآسي والأحزان .
أيها الإخوة الكرام ، ليست البطولة أن تتزوج ، والله لا أبالغ إن أكثر من ستين أو سبعين بالمئة من حالات الزواج تنشأ مشكلات بسبب الجهل ، والحمق قد تودي إلى انهيار هذه الأسرة، يوجد جهل ، و ما من عقد قران حضرته إلا قيل فيه على كتاب الله و سنة رسوله ، فهل الزوج أو الزوجة تعلمت ما في كتاب الله ، وما في سنة النبي عليه الصلاة والسلام من أحكام الزواج ، قال تعالى :
[ سورة النساء : 19]
ومن أدق ما قاله المفسرون في هذه الآية : " ليست المعاشرة بالمعروف أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها ، بل أن تحتمل الأذى منها " ، هذه المعاشرة بالمعروف .
فيا أيها الإخوة الكرام ، إذا أردتم الدنيا فعليكم بالعلم ، إذا أردتم بيتاً سعيداً فعليكم بالعلم ، هناك خمسة وخمسون حالة تسهم في إسعاد الزوجين ، هناك موضوع آخر تسعون حالة تسهم في إسعاد الزوجين ، هناك سبع عشرة حالة تسبب الشقاء الزوجي ، هذه قضية مشبعة دراسة وعلماً بأدلة قرآنية ونبوية وعلمية ونفسية واجتماعية وبيولوجية .
الحياة تحتاج إلى علم ، الجاهل عدو نفسه ، ويفعل الجاهل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به .
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ، ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك و نتوب إليك ، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وأذل الشرك والمشركين خذ بيد ولاة المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .
والحمد لله رب العالمين