[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ، و نسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ، سيد الخلق و البشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً ، و أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، يأتي أحدنا إلى الدنيا وهو لا يعلم شيئاً ، قال تعالى :
[ سورة النحل : 78]
ويخرج منها بعد عمر مديد ، وهو لا يعرف إلا القليل ، ويجهل الكثير الكثيرَ ، وهو بين القدوم النضر المتفتح ، والأفول الذابل الواهي ، ويبذل الكثير من الجهد ، ويلاقي الكثير من العناء في سبيل امتلاك رؤية حسنة لمحيطه ، رؤية الجديد الذي يؤثر في حياته ، وفي سبيل مكافحة العمى والجهل ، هذا الإنسان المحدود يواجه مجتمعاً وحياة بالغة التعقيد .
أيها الإخوة الكرام ، سيدنا حذيفة كان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشر قال : (( كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ أقع فيه )) .
[ متفق عليه ]
الحقيقة أننا بحاجة إلى أن نعرف أن هناك قضايا لا يمكن أن تحل لئلا نبذل جهداً ضائعاً ، لئلا نقيم توتراً بين المسلمين ، يجب أن تعرف ما الممكن ، وما هو غير الممكن .
أيها الإخوة الكرام ، المسلمون في محنة شديدة ، يا ترى سوء فهمنا لأسباب تخلفنا ، سوء فهمنا للخلل الذي نعيشه ، سوء الفهم يضاعف الخلل ، يضاعف الخطأ .
أيها الإخوة الكرام ، أخطر فكرة اطلعت عليها في هذه الأيام أن الذي يصيبك تأثيره في حياتك عشرة بالمئة ، أما ردود فعلك تجاهه فيؤثر تسعين بالمئة في حياتك ، فقد يكون رد الفعل ينطلق من الجهل ، أو ينطلق من التعصب ، أو ينطلق من سوء الفهم ، أو ينطلق من سوء الظن ، فمشكلتنا ليست فيما يصيبنا ، مشكلتنا في ردود أفعالنا ، قد تكون ردود الأفعال غير متوازنة لا تنطلق من حكم شرعي ، لا تنطلق من فهم صحيح ، لا تنطلق من هدوء تنطلق من انفعال .
فيا أيها الإخوة الكرام ، القضية التي نحن نعاينها بحاجة إلى وحي السماء ، قال تعالى :
[ سورة النحل : 78]
(( يَا عِبَادِي كُلُّكُمْْ ضَالٌّ إِلاّ مَنْ هَدَيْتُهُ )) .
[ مسلم عن أبي ذر]
ما لم تهتدِ بهدى الله عز وجل فالحركة عشوائية ، والحركة غير صحيحة ، والأهداف ضبابية ، الوسائل قد تتناقض مع الأهداف ، الأمر بالمعروف قد يكون بغير المعروف ، والنهي عن المنكر قد يكون بالمنكر .
فيا أيها الإخوة الكرام ، حتى عقولنا لا ننتفع بها إطلاقاً إن لم تهتد بوحي السماء ، كيف أن العين لا قيمة لها إلا بنور يتوسط بينها وبين المرئي ، ولو جلس إنسانان الأول بصير والثاني كفيف في غرفة مظلمة ، هم سواء ، كيف أن العين بحاجة إلى ضوء الشمس كي ترى ، والعقل بحاجة إلى وحي السماء كي يصيب .
أيها الإخوة الكرام ، الذي ينبغي أن نبحث فيه هو أين الخلل في حياتنا ؟ سؤال كبير .
يقول الله عز وجل :
[ سورة آل عمران : 110]
هذا كلام خالق الأكوان .
[ سورة آل عمران : 110]
ماذا تعني كلمة ( خلل ) ؟
كلمة خلل ماذا تعني ؟ والله هي أقل مما نعاني ، كلمة خلل تعني أن الغاية واضحة ، وأن الطريق سالكة إليها ، وأن الوسيلة مهيأة ، ولكن خللاً أصابها .
كلمة خلل تعني أن القضية صغيرة ، ولعل القضية أكبر من هذا بكثير .
مثلاً : غيبة الوعي الإسلامي ، فقدان الهوية الإسلامية ، اختفاء الطريق ، فقد الوسيلة ، هذا بعض حجم المشكلة التي لا يعانيها مجتمع إسلامي بعينه ، بل تعانيه المجتمعات الإسلامية كلها .
1 ـ أين نحن مِن هذه الآية ؟!!!
أيها الإخوة الكرام ، التناقض الحاد بين واقعنا وقولِ الله عز وجل :
[ سورة آل عمران : 110]
نحن الآن لسنا خير أمة بكل المقاييس ، حتى بالمقاييس الدينية ، حتى بالمقاييس العصرية ، حتى بالمقاييس الحضارية ، حتى بالمقاييس الأخلاقية ، نحن لسنا خير أمة ، وهذه حقيقة مرة ينبغي أن نفضلها على الوهم المريح ، لا نريد كلاماً يدغدغ مشاعرنا ، نعاني من خلل خطير ، لعل من هذا الخلل غيبة الوعي الإسلامي ، حركات عشوائية ، ردود فعل قاسية ، تراشق تهم ، عداوات ، بغضاء ، ونحن نملك وحي السماء .
2 ـ هذه هي علّة الخيرية : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
أيها الإخوة الكرام ، حينما قال الله عز وجل :
[ سورة آل عمران : 110]
جاءت علة الخيرية : ] تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ [ .
فإن لم نأمر بالمعروف ولم ننه عن المنكر ، أو إن أمرنا بالمنكر ونهينا عن المعروف ، أو إن أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً فهل نحن خير أمة ؟ هل نحن خير أمة ؟ لا والله .
3 ـ ولنا في قول أهل الكتاب عبرة :
أيها الإخوة :
[ سورة المائدة : 18]
ألا نعذب بذنوبنا ؟ بدءاً من شح الأمطار ، ونقص الخيرات ، والتهديدات ، والمؤامرات ، وكل ما ترونه وتسمعونه حولنا ، وقد خطط ليكون في بلادنا ، ونسأل الله السلامة ، لذلك قال العلماء : هناك أمة الاستجابة هي خير أمة أخرجت للناس ، وهناك أمة التبليغ ، ونحن فيما أظن من أمة التبليغ ، ونحن كأي أمة خلقها الله .
أيها الإخوة الكرام ، قال تعالى :
[ سورة البقرة : 143]
4 ـ الكمال في الوسطية والاعتدال :
الكمال في الوسط ، الكمال في الوسط ، الاعتدال في الوسط ، الحق في الوسط ، الفضيلة في الوسط ، التوازن في الوسط ، الوسط قوة ، فإذا ملنا يميناً ويساراً ، شرقاً وغرباً لم نكن وسطاً ، هناك شرق وغرب ، وهناك شرق عقائدي ، وغرب عقائدي ، وشمال غني ، وجنوب فقير ، لكن الذي نريده أن تكون عودتنا إلى الله إلى السماء ، إلى وحي السماء .
شيء آخر :
[ سورة الأنبياء : 92]
5 ـ الوحدة وعدم التفرق سببٌ للقوة :
وحدتها أحد أسباب قوتها ، إذا تفرقنا شيعاً وفرقاً ، وطوائف واتجاهات ، وانتماءات ونوازع ، تشتت شملنا ، وذهبت ريحنا ، وضعفنا ، فالأمة في القرآن الكريم هي خير أمة ، هي الأمة الوسط ، الأمة الواحدة ، الأمة المجتمعة ، الأمة غير المتفرقة ، قال تعالى :
[ سورة الحشر : 19]
نسيان الله حملنا على أن ننسى أنفسنا ، أن ننسى حقيقتنا ، أن ننسى علة وجودنا ، أن ننسى أهدافنا .
أيها الإخوة الكرام ، مرة بعد مرة أقول : الحقيقة المُرة أفضل ألف مَرة من الوهم المريح ، حينما تعرف الحقيقة تنطلق إلى إصلاح نفسك ، أما إذا عشت في أوهام و توهمت أشياء لا أصل لها كانت خيبة الأمل أشد مرارة مما لو عرفت الحقيقة في وقتها المناسب .
6 ـ أرخصُ شيء عند المسلمين الوقت ، وأثقلُ شيء عندهم هو العملُ :
أيها الإخوة الكرام ، المسلمون بميزان التقدم المادي أرخص شيء عندهم هو الوقت ، والوقت هو الإنسان ، ورأسمال الإنسان ، والوقت وعاء العمل ، والوقت سبب التقدم ، فأرخص شيء عند المسلمين في عصور غفلتهم هو الوقت ، وأثقل شيء عليهم هو العمل ، والتقدم المادي بمقياس العصر من أجل أن نقف أمام أعدائنا ، من أجل أن نحصن بلادنا ، من أجل أن نكتشف ما يحاك ضدنا يحتاج إلى إدارة الوقت ، وإلى جدية العمل ، أثقل شيء عندنا العمل ، وأرخص شيء عندنا الوقت ، هذه حقائق مؤلمة جداً ، بعض الناس في بلاد نامية الإنسان في بلد نام لا يعمل أكثر من سبع وعشرين دقيقة فقط في اليوم ، بينما هؤلاء الأقوياء الذين فرضوا ثقافتهم وحضارتهم وإباحيتهم على العالم بسبب قوتهم يعملون ثماني ساعات ، سبع وعشرين دقيقة لا يمكن أن تغلب ثماني ساعات .
7 ـ الإنسانُ أبخس الثروات عند المسلمين :
أيها الإخوة الكرام ، أقل الثروات عند هؤلاء المسلمين هو الإنسان ، الإنسان أكبر مورد اقتصادي إذا علمته ، وأطلقت يده صنع المعجزات ، قد تملك أرضاً ، قد تملك مالاً وفيراً ، لكن الذي يرقى بك لا الأرض التي تملكها ، ولا الثروات الطائلة التي تخزنها ، الذي يرقى بك هو الإنسان ، فالإنسان رخيص ، وإذا رخص الإنسان رخص كل شيء .
8 – أمة لا تقرأ ولا تبدع :
أيها الإخوة الكرام ، نقلد و لا نجتهد ، نحاكي و لا نبتدع ، ننقل و لا نبتكر ، نحفظ و لا نفكر ، نستخدم تفكير غيرنا لحل مشكلاتنا ، فتأتي الحلول مضحكة ، إن أول آية أنزلها الله في القرآن الكريم :
[ سورة العلق : 1]
نحن لا نقرأ ، و لا أريد أن يصدق علينا قول عدونا ، وإذا قرأنا قد لا نفهم ، وإذا فهمنا سريعاً ما ننسى ، حقيقة مرة .
أيها الإخوة الكرام ، نحن أمام عدو يريد إبادتنا ، كل يوم مئة قتيل و هذا خطط لبلدنا و بطولتنا أن نسقط هذه الورقة الرابحة من يده ، ورقة الفتن الطائفية .
9 – ابتدعنا في الدين ولم نبدع في الدنيا :
أيها الإخوة الكرام ، نحن ابتدعنا في دين الله مذاهب و طرقا وطوائف و شيعا وبدعا ، ابتدعنا في ديننا ، والابتداع في الدين حرام وضلالة ، وجمدنا في شؤون الدنيا ، والجمود في شؤون الدنيا جهالة ، لو عكسنا الآية : لو قلدنا في ديننا ، وابتدعنا في حياتنا ، طورنا حياتنا ، حللنا مشكلات شبابنا ، زوجنا فتياتنا ، أنشأنا فرص عمل ، لكن جمدنا في دنيانا ، وابتدعنا في ديننا فأصبح بأسنا بيننا .
10 – الأصل الصلاح والامتحان لتعيين الناجح مِن غيره :
أيها الإخوة الكرام ، لقد خلقنا الله ليبلونا أينا أحسن عمل ، الآية فيها ملمح خطير : الأصل أن تكون صالحاً ، والامتحان لا من أجل أن نعرف من هو الراسب ، ومن هو الناجح وفق تسلسل معين ، قال تعالى :
[ سورة الملك : 2]
11 – قيمتُك في أعمالك :
لذلك المؤمن مطالب بالعمل ، النمط الحالي نمط سلبي ، نمط إعجاب بالإسلام سلبي ، نمط سكوني ، قيمتك ليست في عباداتك بقدر ما هي في أعمالك ، قال تعالى :
[ سورة الأنعام : 132]
العبادة من أجل أن تعمل .
12 – الأمة بحاجة على من يعيش في سبيلها :
لو يسأل أحدنا نفسه كل يوم : ماذا قدمت للأمة ؟ تتحرك ليلاً ونهاراً من أجل مصلحتك ، ولكن هذه الأمة التي في أمسّ الحاجة لا إلى من يموت في سبيلها فحسب ، بل إلى من يعيش في سبيلها ، ماذا قدمت إلى هذه الأمة ؟ هل حملت بعض همومها ؟ هل خففت عنها من مصابها ؟ هل طورت عملك ؟ هل ربيت أولادك ؟ هل قدمت للمجتمع عناصر ناجحة ؟ اسأل نفسك كل يوم هذا السؤال : ماذا فعلت من أجل أمتك ؟ وسوف تسأل يوم القيامة ، لأن الله عز وجل حينما أرسل الملائكة لإهلاك قرية قالوا : يا رب إن فيها صالحاً ، قال : به فابدؤوا ، كلام خطير جداً ، لا يكفي أن تكون صالحاً ، إن كنت صالحاً تهلك ، فينبغي أن تكون مصلحاً ، قال تعالى :
[ سورة هود : 117]
13 – بين الصالح والمصلح :
ما قال : صالحون ، من هو الصالح ؟ مستقيم ، ما أكل المال الحرام ، مكتف ، لا يعنيه شأن الناس إطلاقاً ، لا يتكلم كلمة ، لا يدلي بنصيحة ، لا يعين ، يعيش لذاته ، هذا صالح ، قال : به فابدؤوا ، قالوا : لمَ يا رب ؟ قال : لأن وجهه لم يكن يتمعر إذا رأى منكراً .
هذا مثل أضربه كثيراً : تأتي إلى بيتك ابنة أخيك في ثياب فاضحة ، تظهر كل مفاتنها ، تؤانسها ، وتستقبلها ، وترحب بها ، وتسألها عن دراستها في الجامعة ، وعن أبيها ، وأمها ، ولا تعلق أي تعليق على ثيابها ، ولا على تفلتها ، لذلك قال تعالى :
[ سورة الأنفال : 25]
إذا كنا صالحين نهلك ، (( ... قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ : نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ )) .
[ البخاري ]
14 – العملَ العَمَلَ :
الصالحون اكتفوا بصلاحهم ، ولم يصلحوا غيرهم ، وأقلّ شيء مطالب به أولادك ، بناتك ، موظفوك في المعمل ، مَن حولك ، لذلك أثقل شيء علينا العمل ، والعمل مقدس ، أمسك النبي صلى الله عليه وسلم يد ابن مسعود ، وكانت خشنة من العمل رفعها ، وقال :
(( إن هذه اليد يحبها الله ورسوله )) .
[ ورد في الأثر ]
أبلغُ مِن ذلك عن أَنَس بْن مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ :
(( قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ )) .
قامت الساعة ، وانتهت الحياة ، وانتهت الدنيا ، وبيدك فسيلة فاغرسها ، سيدنا عمر يقول : << إني أرى الرجل ليس له عمل فيسقط من عيني >> .
15 – التناقض الصارخ :
أيها الإخوة الكرام ، كلام المسلمين في واد ، وعملهم في واد آخر ، لسانهم في واد وسلوكهم في واد آخر ، فكيف ينظر الله إليهم ، قال تعالى :
[ سورة الصف]
16 – مجتمع الاستهلاك والإفساد :
والله مئات الحوادث ، مئات الشكاوى خارج البيت ، يبدو أنه ملتزم من رواد المسجد ، في البيت ليس كما ينبغي أن يكون عليه المؤمن ، لذلك نُميتُ الأرضَ الحيّةَ ، الغوطة كلها أصبحت صحراء من الإسمنت ، نًميتُ الأرض الحية ، ولا نحيي الأرض الميتة ، نستهلك ولا ننتج ، نستورد ولا نصنع .
سيدنا عمر زار بلدة فرأى أكثر الفعاليات الاقتصادية في يد غير المسلمين ، فعنفهم أشد التعنيف ، فقالوا : << لقد سخرهم الله لنا ، فبالغ في تعنيفهم ، و قال : كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم ، ويل لأمة تأكل ما لا تزرع >> .
هل تصدقون أنه ما من نوع من البذور إلا يستورد ، ما من شيء تأكله إلا ونستورد بذوره ، << ويل لأمة تلبس ما لا تنسج >> ، ويمكن أن أضيف : وويل لأمة تستخدم آلة لا تصنعها ، ويمكن أن أضيف : وويل لأمة تشتري السلاح لابد من أن تصنعه ، لأنها إذا أرادت أن تشتريه تحكم البائعون بها .
17 – اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ :
أيها الإخوة الكرام ، كان عليه الصلاة والسلام يقول :
(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ )) .
[ متفق عليه ]
18 – الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَلَا تَعْجَزْ ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ : لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا ، وَلَكِنْ قُلْ : قَدَرُ اللَّهِ ، وَمَا شَاءَ فَعَلَ ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ )) .
[ مسلم ، ابن ماجه ، أحمد ]
19 – إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ :
نحن نتواكل ، و نعزو أخطاءنا إلى الله ، فقد حَدَّثَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ :
(( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )) .
[ أبو داود]
اعمل ، حينما لا تستطيع أن تحقق النتيجة قل عندئذ حسبي الله و نعم الوكيل ، لكن لا يعمل ، لا يتحرك ، لا يطور عمله ، لا يدرس دراسة جيدة ، لما يشتري يهمل ، يؤجل ، يتواكل ، ثم يقول : هذا ترتيب الله لي ، حسبي الله و نعم الوكيل هذا كلام مرفوض .
20 – اتباع السبل المتناقضة و المتعددة يضعف هذه الكثرة :
أيها الإخوة الكرام ، اتباع السبل المتناقضة والمتعددة يضعف هذه الكثرة ، هل يعقل أن أعداءنا على خلافات تاريخية بينهم ، على حروب دامية بينهم ، دامت مئات السنوات ، هل يعقل الآن أن ينطق باسمهم واحد ، وأن تكون عملتهم واحدة ، وأن حرية الحركة بين بلدانهم مطلقة ، وأن انطلاق الأموال والبضائع من دون قيد أو شرط ، لماذا أعداؤنا كل يوم يبحثون عن عوامل التقريب فيما بينهم ، ولماذا نبحث نحن كل يوم عن عوامل التفرقة فيما بيننا ؟ أعداؤنا من خلال مؤتمرات السكان أرادونا أن نحدد نسلنا .
اطلعت على إحصائية أن سكان أوربا نسبتهم إلى سكان أهل الأرض في عام ستة وتسعين ، الآن خمسة عشر في المئة ، بعد عدة أعوام عشرة في المئة ، في عام ألفين خمسة بالمئة ، هم يتضاءلون ، وقد شبهوا بقطعة ثلج تحت أشعة الشمس ، لذلك أرادوا أن نبقى ضعفاء ، فصنعوا لنا مؤتمرات السكان للحد من النسل ، والإنسان أكبر مورد اقتصادي بشرط أن تعلمه ، وأن تطلق يده ، إن أبقيته جاهلاً ، وإن قيدته كان عبئاً عليك .
21 – الطاقات الروحية معطَّلة أو مدمّرة :
أما طاقتنا الروحية التي تجعل حياتنا معجزات ، هذه الطاقة معطلة لأنها طغت المادة على الروح ، حاربونا ثقافياً بهذه الفضائيات ، كانوا يجبروننا بالقوة المسلحة على أن نفعل ما يريدون ، لكنهم الآن يجبروننا بالقوة الناعمة المرأة على أن نريد ما يريدون ، إذا تابعنا هذه الفضائيات ، و عشنا في أجواء الرذيلة ، و أجواء الإباحية ، و سعار الانحراف فأيّ صلاة ليل ، وأي تلاوة قرآن ، و أي خوف من الله ؟ أصبح البيت ملهى ليلياً ، وهذه صنعناه بأيدينا ، لابد من أبوة حازمة ، لابد من ضبط لهذه الوسائل ، لابد من دقة في تربية الأولاد ، وإلا فإنهم ستفلتون ، يصبح الولد غيظاً ، ماذا يفعل أب بابنه الذي يأتي بعد منتصف الليل ؟ لا يعلم أين كان ، مع من سهر ، ماذا رأى على الشاشة ؟ لا يعلم ، أخلاقه قاسية ، يتطاول على أمه وأبيه ، يضرب إخوته وأخواته ، يتكلم كلاماً بذيئاً ، هذه محصلة الغزو الثقافي ، حتى في التعليم يدخل أستاذ الديانة يتحدث عن آدم وهو أب الأنبياء ، يدخل بعده أستاذ العلوم الطبيعية ، يحدثهم عن أن القرد هو أساس صنف البشر ، هذا الطفل تمزق ، المناهج فيها تناقض ، الطفل من يصدق أستاذ الديانة أم الشيخ في المسجد ، أم أستاذ العلوم الطبيعية ، من يصدق ؟
أيها الإخوة الكرام ، لابد من صحوة ، لابد من وقفة ، لابد من ترتيب الأوراق من جديد ، لابد من تأمل ، أنا أقول لكم ينبغي أن ينتهي الواحد منا من خطبة سمعها إلى أن تبدأ بها متاعبه لا إلى أن يتثاءب و ينام ، تنتهي الخطبة أو ينتهي هذا الكتاب فتبدأ المتاعب ، كل مخلوق يموت ، و لا يبقى إلا ذو العزة و الجبروت :
و الليل مهما طال فلا بد من طلوع من الفجر
والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبــر
***
و كل ابن أنثى و إن طالت سلامته يومـاً على آلة حدباء محمول
فإذا حملت إلى القبـور جنــازة فاعلم بأنك بعدهــا محمول
***
أيها الإخوة الكرام ، الأمر خطير ، ونحن بوعينا إن شاء الله ، بعودتنا إلى الله ، باستقامتنا على منهجه ، بمحبتنا لنبينا ، بتربية أولادنا ، بعنايتنا بالصغار ، هؤلاء أمل الأمة ، أعظم عمل تفعله على الإطلاق أن تنشئ ابنك على طاعة الله ، أن تحببه بالمسجد ، أن تلقنه منهج الله عز وجل ، أن تبعده عن الفنون الساقطة الإباحية ، أن تنزع كل جهاز يفسد خلقه في البيت .
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا ، فَقَالَ قَائِلٌ : وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ : بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ ، فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا الْوَهْنُ ؟ قَالَ : حُبُّ الدُّنْيَا ، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ )) .
[ أبو داود ]
حلفاء القوة المعتدية ثلاثون حليفاً في بلاد المسلمين اختاروا بلداً فيه أكبر احتياطي نفط في العالم ، وقد يمتد هذا الاحتياط مئة عام قادمة ، وفي أعلى غزارة ، وبأرخص استخراج ، خمسة وثمانون سنتاً كلفة استخراج البرميل في العراق ، بينما في مكان آخر ثمانية ونصف دولار ، اختاروا بلداً كهذا ، (( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا ، فَقَالَ قَائِلٌ : وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ : بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ ـ مليار وخمسمئة مليون ـ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ ، فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا الْوَهْنُ ؟ قَالَ : حُبُّ الدُّنْيَا ، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ )) .
[ أبو داود ]
والله ما أردت أن أكون قاسياً في هذه الخطبة ، و لكن لابد من أن نصحو ، لابد من أن نتحرك ، نحن في ذكرى الهجرة ، الهجرة حركة ، ليست سكوناً ، ليست استسلاماً ، ليست أن تقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، كلمات المسلمين لا حول ولا قوة إلا بالله ، هذه الكلمة فرغت من مضمونها ، حسبنا الله ونعم الوكيل ، قيلت خطأ ، هذه تقال بعد أن تبذل كل الجهد ، وتشاء حكمة الله ألا تحقق النجاح ، عندئذ تقول : حسبي الله ونعم الوكيل .
وأقول لكم كلمة : بإمكانك أن تعمل مليون عمل في أصعب الظروف ، الله موجود ، وهو يعينك ، ويؤيدك ، و ينصرك ، و يوفقك .
أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، فاستغفروه يغفر لكم ، فيا فوز المستغفرين .
* * *
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم ، اللهم صل و سلم وبارك على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
أيها الإخوة الكرام ، قد يفهم بعضكم أنني أكلفك أن تحل مشكلات المسلمين ، لا ، أقم أمر الله في نفسك ، و أقمه في بيتك ، و أقمه في عملك و انتهى الأمر ، لا تكلف فوق هذا ، أقم أمر الله في نفسك اعبد الله حقاً ، اضبط جوارحك ، اضبط لسانك ، اضبط عينك ، اضبط أذنك ، اضبط حركتك ، اضبط دخلك ، إنفاقك فقط ، أقم أمر الله في نفسك ، ثم أقمه في بيتك ، ثم أقمه في عملك ، وانتهت مسؤوليتك ، و لو فعل كل منا هذا الذي أقوله لكم لارتقينا ، ولأصبحنا أقوياء ، و نظر الله إلينا نظرة عطف .
أيها الإخوة الكرام ، تروي بعض كتب السيرة أن رجلاً أعرابياً قدم على عمر ومعه صبية له ، وأهله ، أي زوجته ، فقال يخاطبه ، وكان شاعراً ، فقال :
يا عمر الخير جزيت الجنة اكسُ بنياتي و أمـــهن
أقسمت بالله لتفعلن
فقال عمر مداعباً له : << فإن لم أفعل يكون ماذا ؟ قال : إذاً أبا حفص لأذهبن ، فقال عمر : فإذا ذهبت يكون ماذا ؟ قال : يكون عن حالي لتُسألنّ ، قال عمر : متى ؟ قال : يوم تكون الأعطيات جُنة ، والواقف المسؤول بينهن إما إلى نار ، وإما إلى جنة ، فقال : يا غلام ، أعطه قميصي هذا لذلك اليوم لا لشعره .
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ، ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك و نتوب إليك ، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام ، وأعز المسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، خذ بيد ولاة المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين ، إنك على ما تشاء قدير ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، لا تأخذنا بالسنين ، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين ، اللهم اسقنا الغيث ، ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام ، وأعز المسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، دمر أعداءك أعداء الدين اجعل تدميرهم في تدبيرهم ، اجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين ، انصر عبادك المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها ، وفي شمالها وجنوبها ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .
و الحمد لله رب العالمين [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]