خطبة * خ1: دروس الهجرة وعبرها. خ2: تطبيق دروس الهجرة في حياتنا اليومية - لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ، ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ، سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلِ وسلم ، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريته ومن والاه ، ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، نحن في ذكرى هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والهجرة لها وقائعها وأحداثها وتفاصيلها ، وهذه مألوفة ومعروفة عند كل الإخوة الكرام ، ولكن للهجرة دروسها وعبرها ، والمسلمون اليوم في أمسِّ الحاجة إلى دروس الهجرة وعبرها .
1 – الهجرة حركةٌ :
أولاً الهجرة في أبسط تعاريفها انتقال من مكان إلى مكان ، أي حركة ، والمؤمن حركي ، مؤمن سكوني هذا إيمانه غير صحيح والدليل :
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا (72)
( سورة الأنفال )
ما لم تتحرك ، ما لم تصل لله ، ما لم تقطع لله ، وما لم تعطِ لله ، وما لم تمنع لله ، وما لم ترض لله ، و ما لم تغضب لله ، و ما لم تلتزم ، ما لم يجدك الله حيث أمرك ، وما لم يفتقدك حيث نهاك ، ما لم تطبق منهج الله ، ما لم تكن سنة رسول الله مطبقة في بيتك ، في اختيار زوجتك ، في تربية أوردك ، في كسب مالك ، في إنفاق مالك ، في حلك ، في ترحالك ، قبل الزواج وبعد الزواج ، قبل الغنى وبعد الغنى ، ما لم تتحرك .
ما إن تستقر حقيقة الإيمان في نفس المؤمن إلا وتعبر عن ذاتها بحركة نحو الخلق ، ما لم تنصح ما لم تنكر ، ما لم توالِ ، ما لم تعادِ ، ما لم تتبرأ ، ما لم تستنكر ، ما لم تحب ، ما لم تكره .
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا (72)
( سورة الأنفال )
أنت في أصل جبلتك كائن متحرك ، لأن الحاجة إلى الطعام تدفعك إلى كسب المال ، ولأن الحاجة إلى المرأة تدفعك إلى الزواج ، ولأن الحاجة إلى تأكيد الذات تدفعك إلى التفوق ، فأنت في الأصل كائن متحرك ، أما في شأن الدين فكائن سكوني لا تتحرك ، لا تقدم ، لا تؤخر ، لا تنتمي ، لا تنكر ، لا ترضى ، لا تصِلْ ، لا تقطع ، أصل بنيانك حركي بحسب الدوافع التي أودعها الله فيك ، فكيف ترضى أن تكون سكونياً .
2 – ليس هناك إعجاب سلبي :
أيها الإخوة ، هذا النمط الجديد من الإعجاب السلبي بالإسلام ، تتحد ث عن الإسلام على أنه دين الله رائع ، وعلى أنه دين الفطرة ، وتقول : أنا مشاعري إسلامية ، بارك الله بك ، واهتماماتي إسلامية ، وأرضيتي إسلامية ، وخلفيتي إسلامية ، ونزعتي إسلامية ، والإسلام ليس مطبقاً عندك ، صار فكرا إسلاميا ، لكن ليس لك سلوك إسلامي ، هناك انتماء إسلامي إلى الإطار لا إلى المضمون
أيها الإخوة الكرام ، نحن في أمسّ الحاجة إلى هذا الدرس ، ترك بيته ، ترك ماله ، ترك معارفه ، ترك مكانته ، وانتقل إلى بلد بدأ فيه من الصفر ، خذ نصف مالي ، قال : بارك الله لك في مالك ، ولكن دلني على السوق ، الإسلام حركة ، والهجرة حركة .
3 – دولة الهجرة دولة حضارية :
شيء آخر ، الهجرة دولة لها أرض ، لها كيان ، لها رئيس ، لها منهج ، لها تطلعات .
أيها الإخوة ، لكنها دولة حضارية ، ولا يسمح لأحد في الأرض أن يتكلم في الدين برأيه .
الهجرة دولة ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام حينما كتب الوثيقة المشهورة ، وارجعوا إليها في كتب السيرة ، بعد أن وصل إلى المدينة أجرى اتفاقاً موثقاً بين كل أطياف المدينة ، أقتطع لكم منه أسطرًا ، قلت : الهجرة دولة ، دولة حضارية ، معنى حضارية ترعى شؤون كل أطيافها على اختلاف مللهم ونحلهم وأديانهم ، الحقوق مقدسة المصالح مشتركة يقول : هذا كتاب من محمد النبي رسول الله بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ، ومن تبعهم فلحق بهم ، وجاهد معهم .
يثرب فيها أوس وفيها خزرج فيها أهل كتاب ، فيها أتباع ، فيها قبائل ، فيها مهاجرون .
جاء في الوثيقة : " أهل يثرب أمة واحدة من دون الناس ، وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين ، لليهود دينهم ، وللمسلمين دينهم ، وأن بينهم النصر على من داهم يثرب ، وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم " ، وهذا أول دستور لهذه الدولة الحضارية التي قامت على التعايش ، وقامت على وحدة ، وقامت على مصطلح معاصر المواطنة ، هذا كلام سيد الخلق وحبيب الحق .
4 – سببُ الهجرة :
أيها الإخوة الكرام ، أما سبب الهجرة ، فأنت أيها الإنسان علة وجودك على سطح الأرض أن تعبد الهو ، والدليل :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
( سورة الذاريات )
والعبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
دققوا ، أيّ مكان ، وأي زمان ، وأي بيئة ، وأي مجتمع حال بينك وبين أن تعبد الله ، حال بينك وبين علة وجودك ، أيّ مكان منعك أن تعبد الله إما قمعاً أو ضعفاً فلابد من أن تهاجر منه ، لكن ما الفرق بينهما ؟ قد تكون في مكان لا تستطيع أن تصلي ، لا تستطيع أن ترتاد المسجد ، نحن بخير والحمد لله ، لا تستطيع أن تحجب ابنتك ، أي مكان حال بينك وبين علة وجودك ، أقول مقترحاً : ينبغي أن تصلحه أولاً ، فإن لم تستطع فانجُ بنفسك ، الدليل :
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)
( سورة النساء )
كنا مستضعفين إما قمعاً ، منعنا أن نعبد الله ، وإما ضعفاً وإغراءً ، فإن وجدت نفسك في بلد ترتكب فيه المعاصي على قارعة الطريق ، إن كنت في بلد الفاحشة أهون من شربة ماء ، إن كنت في بلد لا قيمة للنسب ، ولا قيمة لعذرية الفتاة ، إن كنت في بلد فيه كل أنواع الشذوذ ، إن كنت في بلد ألغي فيه الزواج ، لا زواج ديني ، ولا زواج مدني ، ولا عقد آخر ، بل مساكنة ، إذا كنت في بلد ترتكب المعاصي على أنها حضارة ، مثل هذا البلد ينبغي أن تغادره ، ولو تحققت فيه مصالحك في أعلى مستوى ، أن تغادره إلى بلد تستطيع فيه أن تحجب بناتك ، أو أن تربي أولادك ، أو أن تزوج بناتك من مؤمنين طاهرين .
أيها الإخوة ، مرة ثانية : حينما يحول مكان ما بينك وبين أن تعبد الله فهذا المكان يلغي وجودك في الدنيا ، يلغي رسالتك ، يلغي مهمتك ، يلغي تكليفك ، هذا المكان ولو توافرت فيه كل أسباب الرخاء ، لو توافرت فيه كل حقوق الإنسان في المفهوم الحديث ، لو توافرت فيه كل الحاجات فبقاءك فيه أكبر خسارة ، لأنه ألغى وجودك الأخروي ، لأنه ألغى عبادتك لله عز وجل .
فلذلك أيها الإخوة ، قضية الهجرة من أخطر الموضوعات التي يحتاج المسلمون إلى دروسها وعبرها ، هناك أناس كثيرون مقيمون في بلد إسلامي يستطيعون تربية أولادهم وبناتهم ، ويستطيعون أن يسيطروا على أسرهم ، لأن الجو العام جو طيب ، من أجل المال فقط يسافرون إلى بلد تعد جريمة الزنا فيه مفخرةً .
أنا كنت أضرب هذا المثل مرات عديدة ، أن شابا أحب فتاة في هذه البلاد ، فاستأذن والده بالزواج منها ، قال له والده : لا يا بني ، إنها أختك ، وأمك لا تدري ، فلما أحب فتاة ثانية سمع الجواب نفسه من أبيه ، فلما أحب فتاة ثالثة سمع الجواب نفسه من أبيه ، فلما شكا إلى أمه قالت له : خذ أياً شئت ، فأنت لست ابنه أيضاً ، وهو لا يدري .
في مثل هذا المكان الحاجات متوافرة ، حريات رائعة ، ديمقراطية من أعلى مستوى ، كل شيء موفور للإنسان ، لكنه خسر آخرته :
﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾
( سورة الزمر الآية : 15 )
كنت مرة في مؤتمر في أمريكا في لوس أنجلوس ، في مؤتمر إسلامي ، فلما ألقيت محاضرة ، وانتهيت منها ، وتوجهت إلى غرفتي وجدتُ امرأة محجبة إلى جانب المصعد ، قالت لي : أنا أخت فلان ، فلان صديقي في الشام ، قلت لها : أهلاً وسهلاً ، فإذا بها تنفجر بالبكاء ، قلت : خير إن شاء الله ؟ قالت : ابنتي راقصة ، وابني ملحد ، ماذا أفعل ؟ هذا الثمن ، الثمن باهظ .
أيها الإخوة الكرام ، إن تحدثت عن الهجرة الآن أتحدث عن هجرة ترضي الله ، من بلد ترتكب فيه المعاصي على قارعة الطريق إلى بلد تستطيع أن تعبد الله ، فيه مساجد ، فيه خطباء ، فيه جو إسلامي ، وإن كان الفساد عم الأرض ، لكن فرص تربية الأولاد وتوجيه الزوجة أكبر بكثير من فرص التربية هناك وتوجيه الزوجات .
5 – الهجرة قائمة إلى يوم القيامة لكن من غير مكة :
أيها الإخوة الكرام ، لذلك كفكرة بديهة النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ )) .
[ متفق عليه عن ابن عباس ]
إذا ذهب إنسان إلى العمرة ، وركب في النقل الجماعي من مكة إلى المدينة ، وظن نفسه مهاجرا نضحك عليه ، (( لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ ))
ولكنني أؤكد لكم أن الهجرة قائمة إلى يوم القيامة بين كل مدينتين يشبهان مكة والمدينة وقت هاجر النبي عليه الصلاة والسلام ، فإذا مُنعت في بلد أن تعبد الله ينبغي أن تهاجر إلى بلد تعبد الله ، الهجرة مفتّحة أبوابها إلى يوم القيامة .
6 – المهاجر موعود برزق وفير :
الذي أتمنى أن يكون واضحا عندكم أن وعد الله عز وجل للمهاجر برزق وفير وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين .
وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً (100)
( سورة النساء )
والله عدة إخوة كرام أقاموا في بلاد بعيدة سنوات مديدة ، ثم اتخذوا قراراً جريئاً بالعودة إلى بلدهم ، والله كلما التقيت بهم يقولون : ما من قرار حكيم أكرمنا الله به كقرار العودة إلى بلدنا ، مه ما فيه من متاعب ، لكن لا توازن بين بلد متقدم عاش استقراراً مئتي عام وبلد نام فيه اضطرابات لا تنتهي ، وازن بين الدنيا والآخرة ، وازن بين زمن تستعد به لدخول الجنة وبين زمن يسوقك إلى النار ، هذه هي الموازنة الصحيحة .
7 – المعنى الواسع للهجرة :
أيها الإخوة الكرام ، شيء آخر ، وهذا في متناولنا جميعاً ، الكلمات أحياناً لها مفهوم ضيق ولها مفهوم واسع ، فكلمة سيارة بالمعنى الواسع كل شيء يسير ، والدليل في قصة يوسف :
وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ (19)
( سورة يوسف )
ماذا يعني ؟ دابة .
وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ (19)
( سورة يوسف )
بالمعنى الضيق هي مركبة تمشي على عجلات يسوقها محرك انفجاري ، وقوده بترول ، هذا التعريف الضيق .
الهجرة بالمعنى الضيق أن تنتقل من مكان إلى مكان ، من مكان حال بينك وبين أن تعبد الله إلى مكان تعبد الله فيه .
المعنى الواسع للهجرة : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، سلمت سمعة المسلمين ، والمؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأعراضهم ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ، فأي واحد منكم وأنا معكم إذا كان مستقيماً على أمر الله فهو عند الله مهاجر بالمعنى الواسع للمصطلح ، وكلمة كهف ، قال تعالى :
فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16)
(سورة الكهف)
أيضاً بالمعنى الضيق الجبل الذي أوى إليه أهل الكهف ، وبالمعنى الواسع هذا المسجد كهف ، وأي بيت من بيوت الله كهف ، وبيتك كهف ، تدخل إلى بيتك لتصلي ، تقرأ القرآن ، توجه أولادك ، تطيع الله ، تقوم الليل ، هذا بيتك ومملكتك ، فبيتك كهف ، وطوبى لمن وسعته السنة ، ولم تستهوه البدعة ، بالتعبير العامي المؤمن بيتوتي ، وغير المؤمن زقاقي ، في الملاهي والأماكن العامة والمطاعم الخارجية ، المؤمن جنته بيته ، والآن فَأْوُوا إِلَى الْكَهْف يعني غرفة متواضعة جداً تصلي فيها قيام الليل ، هذه الغرفة قطعة من الجنة ، بيت من أربعين مترا تحت الأرض دافئ في الشتاء تقرأ فيه القرآن الكريم هذا جنة أفضل من فندق خمس نجوم ، يجب أن نصل إلى حقائق الأشياء .
8 – نعيش في زمن صعب وخطير :
أيها الإخوة ، لكننا في زمن صعب جداً يكذب فيه الصادق ، والله الذي لا إله إلا هو كل هذا الإنجاز الحضاري للعالم الغربي ناطحات السحاب ، طائرات ، البواخر العملاقة ، والله أصبحنا نتمنى بيتاً من لبِن ، لكن يرحم فيه صبي صغير ، لا يقتل ، والله أصبحنا نتمنى خيمة فيها كلمة صدق ، العالم كذب بكذب ، وعنف بعنف ، ودجل بدجل ، من هنا قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( بادروا إلى الأعمال الصالحة ما ينتظر أحدكم من الدنيا إلا غِنَىً مُطْغِياً ، أو فَقْراً مُنْسِياً ، أو مَرَضاً مُفْسِداً ، أو هَرَماً مُقَيِّداً ، أو مَوْتاً مُجْهِزاً ؛ أو الدجال ، فالدجال شرُّ غائِبٍ يُنْتَظَر ؛ أو السَّاعَةُ ، والساعة أدهى وأَمَرّ )) .
[ أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ]
الدجال يتكلم بعكس واقعه ، يأتي إلى بلد من أجل أن تكون فيه حرية وديمقراطية ، فإذا هذا البلد يقتل أهله ، وتنهب ثرواته ، ويضام فيه علية القوم ، ويدمر عن آخره باسم كلام فارغ لا يقدم ولا يؤخر ، فالدجال شرُّ غائِبٍ يُنْتَظَر ؛ أو السَّاعَةُ ، والساعة أدهى وأَمَرّ .
في زمن يضام فيه الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ، في زمن يكذب الصادق ، ويصدق الكاذب ، في زمن يؤتمن الخائن ، ويخوَّن الأمين ، في زمن موت كقعاص الغنم ، كما ترون كل يوم ، أحدث خبر البارحة مجموع الذين يقتلون في العراق كل يوم مئة وعشرون إنسانا ، موت كقعاص الغنم ، لا يدري القاتل لمَ يقتل ، ولا المقتول فيمَ قتل ، في مكان يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ، ولا يستطيع أن يغير ، في يوم وفي زمن يكون المطر قيظاً في الصيف ، والولد غيظاً .
والله قال لي أحد آباء الأولاد : والله إن دُهِس ابني فسأقيم وليمةً فرحاً بهذه المناسبة .
المطر قيظ في الصيف ، والولد غيظ ، ويفيض اللئام فيضاً ، ويغيض الكرام غيضاً ، في هذا الزمن ، دققوا الآن في الحديث الصحيح القدسي :
(( عبادة في الهرج كهجرة إلي )) .
[ مسلم عن معقل بن يسار ]
9 – الهجرة تعلِّم الثقة بالله :
أيها الإخوة الكرام ، الهجرة تعلمنا الثقة بالله ، إنسان بربكم أهدر دمه ، ووضع لمن يقتله مئة ناقة ، هل هناك إنسان أضعف من إنسان قد هدر دمه ، ووضع لمن يقتله مئة ناقة ؟ ولو جاء به ميتاً أو حياً ، يتبعه سراقة بن مالك ويقول له : يا سراقة ، كيف بك إذا لبست سواري كسرى ؟
للتقريب : مواطن في بلدة متخلفة جداً من دول العالم الثالث يقول لمواطن آخر : كيف بك إذا دخلت البيت الأبيض ؟ يا سراقة ، كيف بك إذا لبست سواري كسرى ؟ هذا كلام من عند إنسان لا ينطق عن الهوى معصوم ، أيْ سوف أصل رغم أنف كل شيء ، وسأنشئ دولة ، وسأنشئ جيشاً ، وسأحارب أكبر دولتين في العالم ، وسوف أنتصر عليهما ، وسوف تأتيني غنائم كسرى ، ويا سراقة لك سوار كسرى ، أرأيت إلى هذه الثقة بالله ؟
نحن بحاجة إلى هذه الثقة ، لا تقل : انتهينا هذا كلام المثبطين ، كلام اليائسين ، كلام ضعاف الإيمان ، لا تقل : انتهينا ، لا تقل : أعداءنا أقوياء جداً ، لا تقل : مصيرنا بيدهم ، الذي خلقك وأمرك أن تعبده لم يسلمك إلى غيره ، ولو أسلمك إلى غيره كيف يقول لك :
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
( سورة هود الآية : 123 )
ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن الأمر كله عائد إليه .
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِف طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ .
( سورة القصص )
ولكل عصر فرعون ، الذين ماتوا من نقص الغذاء والدواء في الحصار العراقي قريبا من مليون طفل ، كأنه ذبحهم .
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِف طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ *وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾
( سورة القصص )
فرق كبير بين أن يكون الإنسان مصاباً بالتهاب معدي حاد ، وله طبيب فائق في خبرته ، وقريب ، ويحبه ، رسم له نظام حمية صارما جداً ، وإذا بلغه أنه أكل لقمة خارج هذا النظام أقام عليه الدنيا ، لأن مرضه قابل للشفاء ، وبين إنسان جاء إلى هذا الطبيب نفسه معه ورم خبيث منتشر ، سأله : ماذا آكل ؟ قال : كل ما شئت ، أيهما أفضل الذي هو خاضع لحمية صارمة جداً ، لأنه مؤمن ، لكنه مقصر ، ومرضه قابل للشفاء ، أم الثاني ؟ نسأل الله أن نكون من الصنف الأول .
أيها الإخوة الكرام ،
﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾
( سورة القصص )
أحياناً أيها الإخوة الكرام ، أنا عندي قضايا معي فيها دليل إيماني فقط ، أنا من خمس وثلاثين سنة في هذا المسجد أقول : أنا لا أقبل أن يكون في جسم الإنسان زائدة دودية ، هذا اسم غلط ، الله كماله مطلق ، وجدت في الأسبوع الماضي في رسالة إلكترونية جاءتني اكتشافا رائعا ؛ أن لهذه الزائدة وظيفة خطيرة جداً ، فجاء الدليل العلمي ليؤكد الدليل الإيماني ، أنا معي دليل إيماني لا يمكن لجهة في الأرض مهما قويت ، مهما تغطرست ، مهما ملكت من المال ، مهما ملكت من أنواع الأسلحة الفتاكة ، مهما ملكت من قوة الإعلام ، مهما ملكت من التحالفات العالم كله معها ، كله ضد المسلمين ، أنا لا أصدق أن تستطيع جهة مهما قويت ، ومهما كثر حلفائها ، ومهما كثر مالها ، ومهما قوي إعلامها أن تفسد على الله هدايته لخلقه ، هذا مستحيل وألف ألف أًَلف مستحيل ، بل هذا يتناقض مع وجود الله ، إن توهمت أن هذه القوة القوية بإمكانها أن تلغي كل عمل خيري ، وكل معهد شرعي ، وكل دعوة إلى الله يجب أن تجدد إيمانك بالله ، بل أعد النظر في إيمانك .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ (36)
( سورة الأنفال)
مرة كنت في متحف شهير في تركيا ( أولما بهجت ) ، رأيت ساعة قد ثبتت على التاسعة وخمس دقائق ، وكانت الساعة الحادية عشر ، فسألت من معي ، قال : هذه الساعة ثبتت وقت مات كمال أتاتورك ، سبحان الله ! خطر في بالي كم طاغية جاءوا إلى الأرض ، وأرادوا إلغاء الإسلام كلياً ؟ ما الذي حصل ؟ أنهم فطسوا والإسلام باق ، إياك أن تتوهم أن جهةً في الأرض تستطيع أن تلغي دين الله ، أو أن تلغي هداية الله لعباده ، وهذا الدين له سر عجيب ، إذا أردت أن تقمعه كأنك تطفئ النار بالزيت لا بالماء ، وكلما أضفت الزيت إلى النار ازدادت تأججًا .
أيها الإخوة الكرام ، النبي عليه الصلاة والسلام كان واثقاً من ربه ، حينما نزل من الطائف كذبوه ، وسخروا منه ، ونالوه بالأذى ، وأدميت قدماه الشريفتان ، سأله زيد : كيف تعود إلى مكة وقد أخرجتك ؟ قال : إن الله ناصر نبيه ، هذه الثقة ، الله لا يتخلى عنا أبداً ، لكن ينبغي ألا نتخلى عن ديننا ، ينبغي أن نطيعه ، ينبغي أن ننصره حتى ينصرنا ، ينبغي أن نلجأ إليه ، ينبغي أن نقيم منهجه ، ينبغي أن نصطلح معه .
هناك درس خطير جداً من دروس الهجرة المسلمون في أمسّ الحاجة إليه ، هو الأخذ بالأسباب ، الغرب أولى في بلاد العالم أخذت بالأسباب ، لكنها اعتمدت عليها ، وألّهتها ، ونسيت ربها ، أرسلوا مركبة فيها سبعة رجال وامرأة ، مركبة وطائرة معاً ، وسموها بالمتحدي ، وبعد سبعين ثانية من إقلاعها أصبحت كتلة من اللهب ، بعد سنوات طويلة أرسلوا مركبة ثانية على شاكلتها سموها كولومبيا ، في طريق عودتها أصبحت كتلة من اللهب ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن .
أيها الأخوة ، المؤمن واثق من نصر الله ، واثق من توفيقه ، لا ييأس ، لا يقنط ، لا تضعف معنوياته .
﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾
( سورة آل عمران )
فالغرب أخذ بالأسباب ، واعتمد عليها ، ونسي الله فأشرك ، الشرق وقع في خطأ من نوع آخر ، ترك الأخذ بالأسباب ، الآن الشرق متوهم أن الله عز وجل يبعث معجزة فننتصر ، ونحن مرتاحون ، لا نقدم ولا نؤخر ، نتابع الأخبار ، ونوزع التهم على الناس ، ماذا قدمت لهذه الأمة ؟ هل خففت من متاعبها ؟
نقول للطالب : هل درست ؟ هل تفوقت ؟ هناك نمط الآن والعياذ بالله كيف سرى إلينا هذا النموذج سكوني سلبي متقوقع مستعلٍ وصي ، يوزع التهم ، ولا يفعل شيئًا ، ماذا قدمت لهذه الأمة ؟ الشرق ما أخذ بالأسباب فوقع في المعصية ، والشرق فرط ، والغرب أفرط ، أما الحق فأن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
من هو الإنسان الأكرم في الأرض كلها ؟ النبي عليه الصلاة والسلام ، من هو الإنسان الذي يستحق النصر ؟ هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لمَ لمْ ينقله الله على البراق من مكة إلى المدينة في ثوان ، لا غار ثور ، ولا المطاردون وصلوا إليه ، ولا سيدنا الصديق يخاف ، ويقول : لقد رأونا ، ولا يلحق سراقة بهم ، ألم ينتقل النبي عليه الصلاة والسلام من مكة إلى بيت المقدس في ثانية واحدة ، فلمَ لمْ تكن الهجرة كذلك ؟ النبي بشر ، ويجب أن تجري عليه كل خصائص البشر ، لأنه سيد البشر ، اتجه مساحلاً بعكس الاتجاه تضليلاً للمطاردين ، قبع بغار ثور أيام ثلاثة حتى يخف الطلب ، هيأ من يأتيه بالأخبار ، له قيادة ذكية ، هيأ من يمحو الآثار ، هيأ من يأتيه بالطعام ، اختار دليلاً رجح فيه الخبرة على الولاء ، اختار دليلا مشركا .
قد يصاب المسلم بمرض خطير جداً ، والمختص به غير مسلم ، ويقول : أنا أتعالج عنده ؟ أخذ بكل الأسباب ، لكن قد يسأل سائل : لماذا مع كل هذه الأسباب وصلوا إليه ؟ كي يعلمنا الله من خلاله أن اعتماده لم يكن على الأسباب ، ولو كان اعتماده على الأسباب لانهار حينما وصلوا إليه ، هو اعتماده على رب الأرباب ، قال له الصديق : يا رسول الله ، لو نظر أحدهم إلى موطئ قدمه لرآنا ، قال له :
(( يَا أَبا بَكْرٍ مَا ظَنّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا ؟ )) .
[ متفق عليه ]
وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟
﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾
( سورة طه )
وفي رواية ضعيفة أن الصديق قال له : لقد رأونا ، يعني وقعت عينهم على عين الصديق ، قال : يا أبا بكر ، ألم تقرأ قوله تعالى : وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ .
هذا الإيمان ، أخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم توكل على الله وكأنها ليست بشيء ، هذا الدرس يحتاجه الطالب ، لا يدرس فيرسب ، يقول : ترتيب الله ، سبحان الله ! حكمة بالغة ، لا ، أيّ حكمة بالغة ، أنت كسول ، أين الحكمة البالغة ، لا يأخذ بالأسباب ، يشتري صفقة دون دراسة ، لا يربح ، يقول لك : الله ما كتب لنا الربح ، لماذا ما قمتَ بدراسة في السوق ، يركب سيارته ولا يراجعها ، فيقع له حادث خطير يودي بحياته ، مات بأجله ، لكن الأصل أن تراجع المركبة مراجعة دقيقة ، ثم تقول : يا رب ، أنت الحافظ ، وأن تدرس الصفقة دراسة دقيقة ، وتقول : يا رب ، أنت الجبار ، وأن تعالج ابنك عند أفضل طبيب ، وتعطيه أدق الأدوية ، وتقول : يا رب أنت الشافي ، البطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، هذا أهم درس يحتاجه المسلمون من الهجرة .
أيها الإخوة الكرام ، (( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ )) .
[ أبو داود]
نستسلم ، ما بيدنا شيء ، نحن عبيد إحسان ، ولسنا عبيد امتحان يا رب ، ماذا نفعل لا دخل لي ، فخار يكسر بعضه ، من أخذ أمي فهو عمي ، هذه كلمات الشرك ، كلمات الخذلان ، والانهزام ، لكن الصواب أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء :
(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )) .
[ أبو داود]
حينما سمح رئيس وزراء بلد إسلامي بالأذان باللغة العربية ماذا فعل به ؟ شنق ، الإسلام قوي بأفكاره ، وقوي بإنجازاته ، أنت قدم إنجازا ، واسكت ، لا تتكلم بكلمة ، كن طبيبا متفوقا ، هناك من يعجب بدينك ، كن مهندسا متفوقا ، كن تاجر متفوقا ، تفوق حتى يحترموا دينك .
هناك فكرة من عندي ليس لها دليل ؛ إن لم تتفوق في دنياك فلا يحترم دينك ، تفوق ، نحن نريد النخبة ، أيضاً النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ ، بِأَبِي جَهْلٍ ، أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : وَكَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ عُمَرُ )) .
[ الترمذي عن ابن عمر ]
تفوق حتى يقولوا : فلان أول طبيب يصلي ، أول مهندس صاحب دين ، بيته إسلامي ، الإسلام ينتشر إذا طبقه المتفوقون بالدرجة الأولى .
أيها الإخوة الكرام ، الأخذ بالأسباب من أهم دروس الهجرة .
أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم ، فيا فوز المستغفرين ، أستغفر الله .
* * *
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أيها الأخوة الكرام ، آن الأوان أن نستفيد من هذه الدروس دعك من وقائع الهجرة ، وقف عند دروسها وعبرها ، حاول أن تطبق منهج النبي عليه الصلاة والسلام حينما هاجر على حياتك اليومية ، خذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم توكل على الله وكأنها ليست بشيء .
أيها الإخوة الكرام ، حينما تأخذ بهذه الدروس والعبر تنتقل نقلة نوعية تعمق اتصالك بالله ، فتستحق عندها تأييد الله ونصره وحفظه .
فيا أيها الإخوة ، ما من سبيل إلا أن نصطلح مع الله ، وأن نعود إليه ، وأن نقدر من حولنا ، لا أن نعتم على من حولنا كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام حينما وصل إلى المدينة .
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ، ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك و نتوب إليك ، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام ، وأعز المسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، خذ بيد ولاة المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين ، إنك على ما تشاء قدير ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، لا تأخذنا بالسنين ، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين ، اللهم اسقنا الغيث ، ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا الغيث ، ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام ، وأعز المسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، دمر أعداءك أعداء الدين ، اجعل تدميرهم في تدبيرهم ، اجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين ، انصر عبادك المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها ، وفي شمالها وجنوبها ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .
و الحمد لله رب العالمين