منتديات الأجاويد
  فن المعاتبة Uo10
منتديات الأجاويد
  فن المعاتبة Uo10



 
الرئيسيةالبوابةالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
آخر عضو مسجل هو meziane lamri فمرحبا به أهلا وسهلا

شاطر
 

  فن المعاتبة

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
zakia
عضو مميز
عضو مميز
zakia

الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 313
المزاج : متفائلة بغد أفضل

  فن المعاتبة Empty
مُساهمةموضوع: فن المعاتبة     فن المعاتبة I_icon_minitime2015-12-24, 10:49 am
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله نحمده ، ونستعين به ، ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ، سيد الخلق و البشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، و ارض عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علِّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام ، الإسلام حريص أشد الحرص على التماسك ـ ليس منا من فرق ـ حريص أشد الحرص على تماسك الأسرة ، تماسك الحي ، تماسك المدينة ، تماسك المجتمع المسلم ، ما الذي يعزز هذا التماسك ؟ المعاتبة الرقيقة والتواصل ، ما الذي يفتته ويمزقه ويقطعه ؟ الحقد والتقاطع .
للإمام علي رضي الله عنه كلمة رائعة ، يقول : " لا أصرم أخاً قبل أن أعاتبه " .
هذه الخطبة أيها الإخوة الكرام موجهة لكل إنسان قيادي ، أو لكل أب ، أو لكل من ولاه الله على عشرة ، لا أصرم أخاً قبل أن أعاتبه ، فالعتاب والمعاتبة من أبرز الوسائل التي تبقي المودة ، وتشعر بالرحمة وبالقرب وبالألفة ، لذلك نجد في القرآن الكريم وهو الكلام المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه عتاباً لطيفاً رقيقاً من الله جل جلاله لقمم خلقه ، وهم الأنبياء والمرسلون ، قال تعالى : 
 
[ سورة التوبة : 43]
 
[ سورة التحريم : 1]
 
[ سورة عبس : 1-3]
أيها الإخوة الكرام ، كأن المعاتبة منهج في القرآن الكريم ، ومنهج في سنة سيد الأنام ، ألم يقل الله عز وجل :
 
[ سورة التوبة : 118]
أيها الإخوة الكرام ، ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام يعاتب صاحباً له أرق معاتبة : (( نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ )) .
[متق عليه عن ابن عمر]
أيها الإخوة الكرام ، الذي يشد الانتباه ، ويلفت النظر سمو الأدب في آيات المعاتبة والعتاب .
أيها الإخوة الكرام ، المعاتبة لها قواعد ، ومحور هذه الخطبة قواعد المعاتبة .
القاعدة الأولى : لا تكثر اللوم فإن كثرة اللوم في الغالب لا تأتي بخير : ليس كل لوم ، ولكن كثرة اللوم والعتاب ، فإنها تنفر منك الصديق ، وتبعد عنك المحب .
أيها الإخوة الكرام ، لحظة كدر واحدة في عتاب تفسد عليك أخوة دهر ، وتسرع في عتاب يفرق عنك أحبتك ، واسمع لخادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : (( قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ ، فَأَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِي ، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّ أَنَسًا غُلَامٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْكَ ، قَالَ : فَخَدَمْتُهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ مَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ : لِمَ صَنَعْتَ هَذَا هَكَذَا ؟
وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذَا هَكَذَا ؟ )) . 
[متفق عليه]
وهو صغير ، والصغير مظنة الخطأ الكثير . 
القاعدة الأولى : مسموح أن تعاتب ، مسموح أن تلوم ، ولكن في القضايا الكبرى ، ومن حين لآخر ، بشرط ألا تكثر ، فإذا أكثرت من المعاتبة نفر منك الصديق ، وابتعد عنك المحب ، هذه القاعدة الأولى . 
أما القاعدة الثانية : لا تطلب ولا تطمح من الآخرين عدم الخطأ : عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ )) . 
[الترمذي]
ليس العار أن تخطئ ، ولكن العار أن تبقى مخطئاً ، ليس العار أن تجهل ، ولكن العار أن تبقى جاهلاً ، المؤمن تواب إذا ذُكِّرَ ذَكَر .
والحديث الذي يفهمه خطأً بعض الناس ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((  وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ )) . 
[ مسلم ، الترمذي ، أحمد ]
ليس المعنى : أن تسارع إلى الذنب ! معاذ الله أن يكون هذا من توجيه النبي  ، ولكن حينما تملك حساسية مرهفة تعرفك بذنوبك ففي قلبك حياة ، أما إذا ارتكبت أكبر الكبائر ، و لم تدر ماذا ارتكبت فالقلب ميت ، لو لم تذنبوا بمعنى لو لم تحسوا بذنوبكم ، لو لم تكن لكم حساسية دقيقة تكشف أخطاءكم ذاتياً لذهب الله بكم .
أيها الإخوة الكرام ، ينبغي ألا نطالب الآخرين ألا يخطؤوا ، ليس العار أن تخطئ ، ولكن العار أن تبقى مخطئاً .
 القاعدة الثالثة : أزل الغشاوة عن عيني المخطئ : حينما ترى الخطأ لا تتشنج ، ولا تجحظ بعينيك ، ولا يتعكر صفو مزاجك ، تمهل ، قد يكون المخطئ قد غطي على عينيه ، فلم يدر ماذا يفعل ؟ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : (( يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا ... )) .
أيعقل أن يطلب من نبي الأمة أن يشرع لهذه الفاحشة الكبيرة ؟ 
((  يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا ... )) . 
يريد الزنا ، يريد الزنا حلالاً ، فالصحابة الكرام استفزوا ، وتألموا ، وغضبوا ، منهم من قطب جبينه ، ومنهم من قال : دعني أضرب عنقه ، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يزد عن أن تبسم ، وقرب الفتى إليه ، وقال له : (( ... أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ : قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ : جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ ، قَالَ ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ   ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ )) .
[ أحمد ]
عندئذ يقول هذا الفتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس شيء أحب إلي من الزنا ، وخرجت من عنده ، وليس شيء أبغض إلي من الزنا ، إذاً هذا الذي يخطئ على عينيه غشاوة ، حاول أن تزيل هذه الغشاوة بهدوء وبحكمة ، وبصبر وبحلم ، فلعله يعود إلى فطرته ، ويعود إلى رشده .
القاعدة الرابعة : اختر في المعاتبة الكلمات اللطيفة لأنها تلين القلب : قال تعالى : 
 
[ سورة النحل : 125]
إذا كان هناك مئة عبارة حسنة ينبغي أن تنتقي من هذه العبارات المئة أحسنها ، فالمؤمن ليس بالطعان ، ولا اللعان ، ولا الفاحش ، ولا البذيء ، لا تقبح ، لا تسب ، لا تشتم ، وفي الحديث الصحيح : (( وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ )) .
[مسلم عن أبي هريرة]
أيها الإخوة الكرام :
القاعدة الخامسة : اترك الجدال في عتابك : لا تجادل ، لأنك بالجدال قد تخسر ، ولو كنت محقاً ، ذلك أن المجادل بعقله الباطن يربط كرامته بأفكاره ، فإذا أردت أن تنقض أفكاره بالحجة والبرهان يرى أنك تنتقص من كرامته ، فيزداد بها تشبثاً ، فلذلك وجه النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه الكرام ، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ ، وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا ، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ ، وَإِنْ كَانَ مَازِحًا ، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ )) .
[أبو داود]
وفرق كبير بين المجادلة وبين الحوار ، الحوار تسوده المحبة ، يسوده التفاهم ، يسوده التواصل ، تسوده رغبة في معرفة الحقيقة ، بينما الجدال يسوده الكبر ، يسوده رغبة في تحطيم الآخرين ، يسوده استعلاء ، فإياك أن تجادل ، لا تجادل ، ولكن ألق كلماتك الرقيقة العاتبة بأرقى أسلوب ، فلعل قلب المخطئ يلين .
أيها الإخوة الكرام :
القاعدة السادسة : ضع نفسك موضع المخطئ ، ثم فكر في الحل : دائماً قبل أن تهدم حاول أن تبني ، قبل أن تلوم بيِّن البديل ، قبل أن تقرع ائت بالحل ، هذه دعوة إيجابية ، أما أن تكتفي بالنقض ، تكتفي بالتجريح ، تكتفي بانتقاص الإنسان ، حاول إذا أردت أن تنتقض أن تبين الصواب ، حاول إذا أردت أن تنكر بدعة أن تبين السنة ، حاول إن أردت أن تُجَرِح في هذا السلوك أن تبين السلوك الصواب ، الله عز وجل قال :
 
[ سورة البقرة : 275]
ساعة حرم الربا أحل البيع ، وإذا قال لعباده :
 
[ سورة النور : 30]
شرع لهم النكاح ، قال :
 
[ سورة النور : 32]
إذا أمرك بغض البصر يعطيك البديل ، و هو الزواج الشرعي ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ : (( كُنْتُ فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ ، فَقَالَ لِي : يَا غُلَامُ ، سَمِّ اللَّهَ ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ )) . 
[متفق عليه]
لازلنا في قواعد المعاتبة التي ترضي الله عز وجل : 
مرة ثانية ، المعاتبة تؤدي إلى التواصل ، والحقد يؤدي إلى التقاطع ، ومن منهج الإسلام القويم أن تعاتب أخاك ، لا أن تصرمه .
القاعدة السابعة : الرفق  لا العنف : عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ )) .
[مسلم]
حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ يَعْنِي بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ  
[مسلم]
علموا ، ولا تعنفوا ، فإن المعلم خير من المعنف ، إن الله رفيق يحب الرفق ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ ، فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ )) .
[أحمد]
يدخل أعرابي المسجد فيبول في ناحية المسجد ، فيغضب عليه بعض الصحابة ، و النبي عليه الصلاة والسلام ينهاهم عن فعلهم هذا ، فلما فرغ الأعرابي من بوله ناداه النبي عليه الصلاة والسلام  قال : يا هذا إن المساجد ما بنيت لهذا ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةِ (( أَنَّ أَعْرَابِيًّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا ، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَالَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَأَسْرَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ ، فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ : إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ ، صُبُّوا عَلَيْهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ ، أَوْ قَالَ : ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ )) .
[البخاري ومسلم وأبو داود ، واللفظ له]
كلمات بسيطة تخرج من قلب رحيم مشفق ، تلامس شغاف هذا البدوي ، فيرفرف قلبه سعادة ، ويقول : اللهم ارحمني ومحمداً ، ولا ترحم معنا أحداً ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : لقد تحجرت واسعاً ، أي ضيقت واسعاً .
لا يكون الرفق في شيء إلا زانه ، و لا ينزع من شيء إلا شانه .
القاعدة الثامنة : دع الآخرين يتوصلون لفكرتك بأنفسهم ، واجعل المخطئ يكتشف خطأه بنفسه ، ثم هو يكتشف الحل بنفسه : 
رجل في بعض البلاد الإسلامية كان يكره أحد الدعاة المتفوقين المخلصين ، يكرهه بشكل عجيب ، ولا يستطيع أحد أن يقنعه به ، إلا أن جاء إنسان ، و قدم له مؤلفات هذا الداعية باسم آخر ، قرأها ، أُعجب بها ، أُخذ بها ، أكبر مؤلفها ، ثم اكتشف فيما بعد أن هذه الكتب لمن كان يبغضه ،  و لمن كان يكرهه ، أحياناً نعادي بلا سبب ، إما بانحياز أعمى ، أو بضيق أفق ، أو بإيغال صدر من جهة بعيدة ، فلذلك دع الآخرين يكتشفوا أخطاءهم بأنفسهم .
أيها الإخوة الكرام :  
القاعدة التاسعة : حينما تعاتب اذكر الجوانب الإيجابية فإن هذا يشعر المعاتب بالإنصاف : إن ذكرت محاسنه ، ثم نوهت بسلبياته فهذا يدعو إلى الطمأنينة لك ، إنك منصف ، (( نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ )) .
[متق عليه عن ابن عمر]
هناك مديح ، وهناك توجيه ، رأى صهره بين الأسرى ، وهو مشرك ، وجاء ليقاتل ، وقد يقتل النبي فقال عليه الصلاة و السلام ، قال : والله ما ذممناه صهراً ، ذكر بعض إيجابياته .
إنسان دخل المسجد ، وأحدث جلبة و ضجيجاً ، و شوش على المصلين ليلحق الركعة الأولى مع رسول الله ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ (( أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِعٌ ، فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ )) .
[البخاري]
إن أردت أن تعاتب فاذكر الإيجابيات قبل السلبيات ، إن كان عندك موظف يتأخر كثيراً اذكر له أنك معجب بإخلاصه ، معجب بأمانته ، معجب بصدقه ، لكنه يتأخر ، اذكر الإيجابيات قبل السلبيات ، هذا يجعل المعاتب يطمئن لإنصافك ، إنك ترى ما له وما عليه ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يستعيذ من إمام سوء ، إن أحسنت لم يقبل ، وإن أساء لم يغفر ، كان يعوذ من جار سوء ، إن رأى خيراً كتمه ، وإن رأى شراً أذاعه .
أيها الإخوة الكرام :  
القاعدة العاشرة : لا تفتش عن الأخطاء الخفية ، لا تتبع عورات المسلمين : فمن طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في عقر داره ، إن رأيت إنساناً يغلب عليه الصلاح والتستر فقف عند هذا ، ولا تحشر أنفك في خصوصياته ، في دقائق حياته ، لا تحاول أن تكون متجسساً ، هذا لا يليق بالمؤمن ، الله عز وجل  يحب الستر ، والستِّير اسم من أسماء الله عز وجل ، يستر العيوب ، ويغفر الذنوب .
إذاً من تتبع عورات المسلمين أوشك الله أن يفضحه في عقر داره ، فالأولى ألا تبحث عن خطأ خفي ، نحكم بالظاهر ، والله يتولى السرائر ، بعض المسلمين لو رأوا عملاً طيباً يقولون : له نية سيئة ، له نية أن يشتهر ، أن يستعلي ، هذا خطأ خفي ، أطّلعت على قلوبهم ؟ أشققت على صدورهم ؟ من أجل أن يحبط عمل أخيه يتهمه في نيته ، وهل أتيح لك أن ترى قلبه ؟ قلب الإنسان لا يطلع عليه أحد إلا الله .
 أيها الإخوة الكرام :  
القاعدة الحادية عشرة : استفسر عن الخطأ مع إحسان الظن والتثبت : حقِّق ، قال تعالى : 
 
[ سورة النمل : 27]
حاول أن تتثبت قبل أن تحكم .
أيها الإخوة الكرام ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : (( لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ ، وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ ، حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمْ الْقَالَةُ ، حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ : لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ هَذَا الْحَيَّ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْتَ فِي هَذَا الْفَيْءِ الَّذِي أَصَبْتَ قَسَمْتَ فِي قَوْمِكَ ، وَأَعْطَيْتَ عَطَايَا عِظَامًا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنْ الْأَنْصَارِ شَيْءٌ قَالَ : فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ ؟ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا أَنَا إِلَّا امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي ، وَمَا أَنَا ، قَالَ : فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ ، قَالَ : فَخَرَجَ سَعْدٌ فَجَمَعَ النَّاسَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ ، قَالَ : فَجَاءَ رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ ، فَتَرَكَهُمْ ، فَدَخَلُوا ، وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدَّهُمْ ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَتَاهُ سَعْدٌ فَقَالَ : قَدْ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ ، قَالَ : فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ، مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ ؟ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ ، أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ ؟ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ ؟ وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ؟ قَالُوا : بَلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ ، قَالَ : أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ؟ قَالُوا : وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ ؟ قَالَ : أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ ، وَصُدِّقْتُمْ ، أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ ، وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ ، وَعَائِلًا ، فَأَغْنَيْنَاكَ ، أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا ، وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ ، أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِحَالِكُمْ ، فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا ، وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ ، وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ ، قَالَ : فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ ، وَقَالُوا : رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قِسْمًا وَحَظًّا ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتَفَرَّقْنَا )) .

ما القضية ؟ ما الخبر ؟ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ (( أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَى رِسْلِكُمَا ، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ ، فَقَالَا : سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الْإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا )) .
[متفق عليه]
وكان عليه الصلاة والسلام يوجه أصحابه فيقول : (( البيان يطرد الشيطان )) .
[ورد في الأثر]
 بين ، وضح ، أبرز الحساب بين الملابسات ، لا يكن كلامك غامضاً ضبابياً يحتمل أشياء كثيرة ، لا تضع نفسك موضع التهمة ، ثم تلوم الناس إذا اتهموك .
أيها الإخوة الكرام : 
القاعدة الثانية عشرة : امدح على القليل يكثر الصواب كثيراً : لاحظ النفس الطاهرة البريئة ، نفس الطفل التي لم تشبها شائبة حين تمدحه على عمل صغير تراه يبذل المستحيل ليقدم لك امتنانه من هذه النصيحة .
أيها الإخوة الكرام ، عود نفسك أن ترى الإيجابيات لا أن ترى السلبيات ، عود نفسك أن تثني على الإيجابيات لتقل السلبيات ، عود نفسك أن تمدح ليزداد الممدوح ثقةً بنفسه ، وليكثر من الصواب ، وليقلل من الخطأ .
 أيها الإخوة الكرام :  
القاعدة الثالثة عشرة : إن الكلمة القاسية في العتاب تقابلها كلمة طيبة تؤثر أكثر من الكلمة القاسية : قال تعالى : 
 
[ سورة الإسراء : 53]
يقول بعض الحكماء في بلاد في المشرق : نقطة عسل تصيد من الذباب ما لا يصيده برميل من العلقم ، الكلمة الطيبة صدقة ، فحتى إذا أردت أن تعاتب فاستخدم الكلمة الطيبة الرقيقة التي لا تؤذي ، ولا تجرح ، ولا تصغر الإنسان .
القاعدة الرابعة عشرة : تذكر أن الناس يتعاملون أكثر ما يتعاملون بعواطفهم ، لا بعقولهم : قال تعالى : 
 
[ سورة الصف : 2-3]
هو يخاطب القلوب لا يخاطب العقول ، قال تعالى : 
 
[ سورة الانفطار : 6-7]
يخاطب القلب ، قال تعالى : 
 
[ سورة الحديد : 16]
يخاطب القلب ، حاول أن تخاطب القلب كثيراً ، لأن الإنسان يتعامل مع قلبه أكثر مما يتعامل مع عقله ، بل إن القرآن الكريم  خاطب القلب والعقل معاً ، بل في آية واحدة خاطب العقل والقلب ، قال تعالى : 
 
[ سورة الانفطار : 6]

خاطب القلب ، قال تعالى : 
 
[ سورة الانفطار : 7]
أيها الإخوة الكرام :  
القاعدة الخامسة عشرة : أعط حجمه بدقة : فلا تعظم حقيراً ، ولا تحقر عظيماً ، من صفات العوام أنهم يبالغون ، فالخطأ الصغير يكبرونه إلى درجة وكأنه جريمة ، والخطأ الكبير يصغرونه إن صدر من أحبابهم ، وكأنه هفوة ، حاول أن لا تعظم حقيراً ، وألا تحقر عظيماً ، إنك إن عظمت الحقير أوغرت الصدور ، وإنك إن حقرت العظيم أفسدت الأمور ، ليكن وصفك للمشكلة بحجمها الحقيقي .
القاعدة السادسة عشرة : ابن ثقة في نفس المخطئ وأقنعه أنه قادر على تجاوز هذا الخطأ : وأنه : (( كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ )) .
[الترمذي عن أنس]
وحينما تراه قد ترك هذا الخطأ أثن عليه كثيراً ، و بين له أن هذه النفس البشرية في أصل جبلتها مهيأة للسمو و للصلاح ، و لترك الخطأ .
القاعدة السابعة عشرة : لا تعيّر : الذنب شؤم على غير صاحبه ، إن رضيه شاركه في الإثم ، أي صاحب المذنب ، المذنب مذنب ، الآن يوجد مشكلة مع صاحب المذنب ، مع صديقه ، مع أخيه ، مع جاره ، مع قريبه ، صاحب المذنب إن رضي بهذا الذنب شاركه في الإثم ، و إن ذكره للناس فقد اغتابه ، و إن عيره ابتلي به ، ليس من أخلاق المؤمن أن يعير بالذنب ، المسلم يحب الله ، و يحب طاعة الله ، و يبغض الشيطان ، و يبغض أولياء الشيطان ، لكن المؤمن يملك قلباً مرهفاً ، و نفساً جياشة ، لا تملك الحياء مع من يجترئ على محارم الله ، فالحب في الله ، و البغض في الله من أوثق عرى الإيمان ، و لكن بعض الناس يشط ، فبدلاً من بغضه للمعصية وصاحبها يعير المذنب ، ويتعالى عليه ، فجاء في الحديث الشريف عَنْ جُنْدَبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : (( وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ )) .
[ مسلم ]
ابتعد عن أن تعيّر ، فقد يعافيه الله ويبتليك ، انصح فيما بينك وبينه ، اشكر الله عز وجل  أن عافاك من هذا الذنب الذي وقع فيه أخوك ، ينبغي أن تشكر الله ، وأن تدعو لأخيك ، لا أن تعيره ، لا أن تتعالى عليه ، لا أن تقوم مقام الشامت به ، فلذلك من قواعد المعاتبة أن تبتعد أشد البعد عن التعيير .
أيها الإخوة الكرام : مرّ أبو الدرداء على رجل قد أصاب ذنباً ، فكان الناس يسبّونه ، فقال : أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مخرجيه ؟ إذاً هذا الذي أذنب كأنه مريض ، حاول أن تكون طبيباً لا شامتاً ، حاول أن تكون معلماً لا معنفاً .
وتروي الأخبار أن صديقاً لسيدنا عمر رضي الله عنه ارتد عن دينه ، وشرب الخمر ، وابتعد عن طريق الحق ، فبعث له برسالة : " أما بعد ، فإني أحمد الله إليك ، غافر الذنب ، قابل التوب ، شديد العقاب ، ذي الطول ، هذه الرسالة فعلت فعلها في نفس هذا الذي أخطأ ، فبكى ، و تاب ، و عاد إلى الله ، لكن الذي يعنيني أنه قال لأصحابه : إذا ضلّ أخوكم فافعلوا معه هكذا ، لا تكونوا عوناً للشيطان عليه ، بل كونوا عوناً له على الشيطان .
أيها الإخوة الكرام ، ما من مجتمع ، ما من مؤسسة ، ما من مدرسة ، ما من مستشفى ، ما من دائرة ، ما من شركة ، ما من أسرة ، إلا ويجري بين أفرادها بعض الخصومات فلو عاهدنا أنفسنا أن نعاتب ، لا أن نحقد ، أن نعاتب ونتواصل ، لا أن نحقد ونتقاطع ، فعندئذ لعل الله عز وجل يرضى عنا جميعاً .
أيها الإخوة الكرام ، أود أن أعيد على أسماعكم عناوين هذه القواعد ، فلعل الله عز وجل  ينفعنا بها جميعاً .
القاعدة الأولى : كثرة اللوم في الغالب لا تأتي بخير .
القاعدة الثانية :  لا تطلب من الآخرين ألا يخطئوا .
القاعدة الثالثة : أزل الغشاوة عن عيني المخطئ .
القاعدة الرابعة :  اختر الكلمات اللطيفة في العتاب والمعاتبة .
القاعدة الخامسة  : ابتعد عن الجدال .
القاعدة السادسة : ضع نفسك موضع المخطئ ، ثم فكر في الحل .
القاعدة السابعة : ما كان الرفق في شيء إلا زانه .
القاعدة الثامنة : دع الآخرين يتوصلون بأنفسهم إلى الصواب .
القاعدة التاسعة : عندما تعاتب اذكر الجوانب الإيجابية .
القاعدة العاشرة : لا تفتش عن الأخطاء الخفية .
القاعدة الحادية عشرة  : استفسر عن الخطأ مع إحسان الظن وإرادة التثبت .
القاعدة الثانية عشرة : امدح على القليل يكثر الصواب الكثير .
القاعدة الثالثة عشرة  : تذكر أن الكلمة القاسية في العتاب تقابلها كلمة طيبة تؤثر أكثر .
القاعدة الرابعة عشرة : تذكر أن الناس يتعاملون بعواطفهم أكثر مما يتعاملون بعقولهم فخاطب عواطفهم .
القاعدة الخامسة عشرة : أعط الخطأ حجمه الحقيقي دون مبالغة أو تقليل .
القاعدة السادسة عشرة : ابن الثقة في نفس المخطئ .
القاعدة السابعة عشرة :  لا تعير أحداً بذنب فربما عافاه الله وابتلاك .
أيها الإخوة الكرام :  هذه بعض القواعد في التعامل مع الآخرين ، فإذا طبقت تماسك المجتمع ، وأصبح قوة منيعة يصعب خرقها ، ولكن الحقد والتقاطع والغيبة والنميمة تفتت المجتمع ، وتخلخل بنيانه ، وتجعله هدفاً واضحاً لأعدائه .
أيها الإخوة الكرام ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، و اعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، و سيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه ، و عمل لما بعد الموت ، و العاجز من أتبع نفسه هواها ، و تمنى على الله الأماني .


الحمد لله رب العالمين ، و أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أيها الإخوة الكرام ، قاعدة القواعد قاعدة ذهبية رائعة رائعة ، واقعية واقعية ، عملية عملية بسيطة بسيطة ، مستنبطة من بعض الأحاديث الشريفة ، وصياغتها ليست نبوية : " عامل الناس كما تحب أن يعاملوك "، هذه التي في البيت زوجة ابنك عاملها كما تعامل ابنتك ، أتحب أن تعامل ابنتك كما تعاملها ؟ أنت تقف وراء مكتب موظف لو كنت مكانه أتحب أن تعامل كما تعامله ؟ ما رأيت من قاعدة تصلح لتقويم السلوك ، وهي جامعة مانعة شاملة ، واضحة واقعية بسيطة سهلة ، كهذه القاعدة " عامل الناس كما تحب أن يعاملوك " ، حينما تغش الناس أتحب أن يغشك الناس ؟ حينما تنظر إلى من لا تحل لك أتحب أن ينظر إلى زوجتك ؟ فهذا الذي يؤلمك يؤلم الآخرين " وهذا الذي يزعجك يزعج الآخرين " وهذا الذي يثير حفيظتك يثير حفيظة الآخرين ، وهذا الذي يقلقك يقلك الآخرين ، فحينما تضع نفسك مكان الطرف الآخر تنضبط انضباطاً رائعاً : " عامل الناس كما تحب أن يعاملوك " ، عاملهم بالحسنى ، لأنك تحب أن تعامل بالحسنى ، عاملهم بالعدل والإنصاف ، لأنك تحب أن تعامل بالعدل والإنصاف ، عاملهم بالمودة والرحمة ، لأنك تحب أن تعامل بالمودة والرحمة ، هذه قاعدة جامعة مانعة شافية تصلح لكل الأوقات والظروف ، ضع نفسك مكان الطرف الآخر ، فالذي لا ترضاه لنفسك لا ترضاه لغيرك ، هذه قاعدة ذهبية هي قاعدة القواعد .
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ، ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك و نتوب إليك ، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام ، وأعز المسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان في العراق وفلسطين ، يا رب العالمين ، خذ بيد ولاة المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .
والحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فن المعاتبة
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1



صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الأجاويد :: المنتديات الإسلامية :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: