خطبة* خ1 : قوة الحق وحق القوة ، المفارقات في أخلاق الغرب ، خ 2: النصر لا يكون إلا بالعودة إلى الله - لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ، و نسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ، سيد الخلق و البشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً ، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه ، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، ماذا أقول ، والله الذي لا إله إلا هو ما تمنيت في وقت من عمري ألا أكون خطيباً كمثل هذا الوقت ، أي جنس بشري يستحق أن تنتمي إليه ، لا رحمة ، ولا عدل ، ولا إنصاف ، ولا منطق ، ولا مبدأ ، ولا قيمة ، جندي واحد وقع أسيراً فقامت الدنيا ، ولم تقعد ، الدول كلها في القارات كلها ، وسائل الإعلام كلها ، الفضائيات كلها ، معظم رؤساء الدول استنكروا أسرَ جندي واحد ، ليس طفلاً ، ولا امرأة ، ولا شيخاً ، جندي ، ليس من أهل البلاد ، جاء من فرنسا ليقاتل شعباً صاحب الأرض ، تقوم الدنيا ولا تقعد ، وعشرة آلاف أسير في قبضة العدو العالم يصمت صمتاً مطبقاً عن هذه الجريمة ، أسرة بأكملها عدا طفلة صغيرة اسمها هدى دمرت ، وهي على شاطئ البحر ، طفل صغير الدرة قتل في حضن أبيه وهو يستنجد ، أسرة بأكملها بالحديثة ، عرس فيه مئة وخمسة وعشرون ، الذين يموتون في العالم الإسلامي بالمئات ، بل بالألوف ، بل إن مجموع الذين قتلوا في العراق يقترب من ثلاثمئة ألف بدعوى أن هناك سلاح دمار شامل ، ولم يجدوا سلاح دمار شامل .
ما هذا النفاق الدولي ؟ ما هذا النفاق الدولي ، والجرائم الذي يرتكبها الغرب يندى لها الجبين؟ ما سجن أبي غريب عنا ببعيد ، ولا ما جرى من قصف بالسلاح الفسفوري بالفلوجة عنا ببعيد ، كل هذه الجرائم ، وكل هذا القتل والعالم صامت ، أما إذا أُسِر جندي من أعدائنا تقوم الدنيا ولا تقعد ، وتصرح الدولة الفلسطينية أن لا علاقة لها بهذا العمل ، إنه من إحدى فصائل المقاومة .
أيها الإخوة الكرام ، ويعجب العالم بعد ذلك كيف يولد التطرف في الشرق الأوسط ، أيّ منطق ، وأيّ مبدأ ، وأيّ قيمة ، وأيّ عدل ، وأيّ إنصاف ، وأيّ إنسانية ، وأيّ رحمة ، وأيّ أخلاق ، بكبسة زر ، وقد عرضوا على الشاشة كيف أن إشارة الضرب وضعت على محطة توليد الكهرباء الذي كلفت مئة وخمسين مليون دولار ، فإذا غزة في ظلام دامس ، بلا تبريد ، وبلا طاقة ، وبلا عمل ، وبلا معامل ، وقطعوا المياه ، وقطعوا البترول ، أهؤلاء حضاريون ؟ والله الذي لا إله إلا هو يستحي الإنسان أن ينتمي إلى هذا الجنس البشري ، إنه متوحش ، ولو أن الوحوش عقلاء ، ولهم منطق لأنكروا علينا أن نصف هؤلاء بالوحوش ، لأنهم أرقى من بني البشر ، قال تعالى :
[ سورة البينة : 6]
أيها الإخوة الكرام ، مئتان وسبعون راكباً أسقطت طائرتهم ، واتهمت دولة عربية بإسقاطها ، وأجبروها على أن تدفع مليارين وسبعمئة مليون دولار ، بمعدل عشرة آلاف مليون دية كل راكب ، وبالعملة السورية خمسمئة مليون ، وأربعمئة طفل حقنوا بالإيدز ، والعالم صامت ، وبعض وزراء خارجية بعض الدول الغربية تدعو لإطلاق سراح الممرضات ، فتاة ترتدي ثياب السحاقيات في أمريكا ، مدير المدرسة على بقية من مروءة منعها من دخول المدرسة ، أقام والدها دعوى على مدير المدرسة ، وحكم لها القاضي بمبلغ فلكي ، لأن إدارة المدرسة تدخلت في حريتها ، أما أن تضع فتاة صغيرة في باريس قطعة قماش على رأسها تنفيذاً لدين يدين به ثلث سكان الأرض يدعو إلى الحشمة والعفة تقوم الدنيا ولا تقعد .
البارحة في باريس فتاة مسلمة محجبة متفوقة دخلت لتأخذ جائزتها على تفوقها ، وعلى رأسها قطعة قماش ، طردت ، ومنعت من أخذ جائزتها ، ما هذا العالم ؟
ما لم نكفر بالكفر فالطريق إلى الله غير سالك ، قال تعالى :
[ سورة البقرة : 256]
ما لم نكفر بالكفر ، هم وإنجازاتهم ، وأبنيتهم ، وآلاتهم ، وطيرانهم ، وتقنيتهم ، هذا تحت القدم ، لأنه مجتمع الغاب ، مجتمع القوة .
أيها الإخوة الكرام ، لا بد من حقيقة مرة ، سامحوني أن ألقيها على مسامعكم : الطرف القوي في هذا العالم له السيادة في كل مناحي الحياة ، يسيطر على الثروات والخيرات ، وبالتالي فإن كلمته هي المسموعة دائماً ، وأوامره هي المطاعة والمنفذة ، لأنه السيد المطاع في كل شيء ، وفي كل آن ، وهذا بغض النظر عن طبيعة مبادئه ، ولون سياساته التي ينتهجها ، لا يهم إن كان على الحق أم على الباطل ، عندهم شعار في البلاد الغربية ( مايك مك رايت ) ، يعني القوة تصنع الحق ، الحق شيء لا وجود له عندهم ، لكن لأنهم أقوياء فهم على حق ، و جميع دول الأرض تنافق لهم ، أمين عام الأمم المتحدة يستنكر ؟ لمَ لمْ يستنكر حينما اغتصبت خمسة وثلاثين ألف فتاة في البوسنة ؟ لمَ لمْ يستنكر حينما قصفت مدينة الحديثة ، ومات مدنيون بريئين ؟ لمَ لمْ يستنكر حينما قتلت أسرة بأكملها عدا فتاة صغيرة في ساحل غزة ؟ لمَ لمْ يستنكر ؟ لمَ لمْ يستنكر أن يكون هناك عشرة آلاف أسير ؟ لمَ لمْ يستنكر أن يعتقل وزراء نجحوا بانتخابات حرة بتوجيه من دول غربية ، و بدعم منها ، و بإشراف عليها لمَ لمْ يستنكر ؟ هذا عالم يحترم ؟ هذا عالم يقام له وزن ؟ هذا العالم لا يستحق أن يوصف بأنه بشر ، هذه وحوش تنطلق في الغاب .
أيها الإخوة الكرام ، لذلك نحن في عالم أكبر خطأ ارتكبناه في حياتنا أننا لم نكن أقوياء ، ولا قيمة للحق من دون قوة .
أيها الإخوة الكرام ، أما الضعفاء فلا يملكون إلا الخضوع والطاعة والانقياد وراء الطرف القوي ، كالقطيع ينجر وراء القوي ، لا يدري إلى أين المسير ، إلى المجزرة أم إلى الحظيرة أم إلى المرعى ؟ هذه حال شعوب العالم اليوم مع القوى الباغية الطاغية ، هذا حال الشعوب المسلمة يستهزئ بنبيها ، يدنس مصحفها ، تمنع من تدريس أبنائها مبادئ دينها ، والعالم صامت .
أيها الإخوة الكرام ، يجب أن نؤمن ، وهذا الوقت مناسب جداً لهذه الأفكار ، يجب أن نؤمن بحق القوة وبقوة الحق ، إن القوة التي لا توجهها المبادئ العادلة والرؤية الشاملة الرحيمة لاشك أنها سوف تطغى ، و تدمر ، و تقتل ، و تظلم ، و تحتكر ، و تنهب ، و تسرق ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول : المؤمن القوي ، لم يقل : القوي ، لأن القوة من دون إيمان قوة مدمرة ، قوة باغية ، قوة مفسدة ، قوة ظالمة ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ .....)) .
[ مسلم ، ابن ماجه ، أحمد]
أيها الإخوة الكرام ، الحق الذي لا يملك القوة والإمكانيات اللازمة لكي يطبق في واقع الحياة ، هذا الحق لا معنى له ، و لا قيمة ، سيظل حبيساً مقهوراً يعلوه الباطل ، ويتغنى بقهره الباطل ، ولا يستطيع معتنقوه أن يمارسوا حياتهم وفق مبدئه ، هذا كلام عام يمكن تطبيقه على كل الشعوب الضعيفة .
أيها الإخوة الكرام ، ضغطة زر تجعل مليونين يعيشون في الظلام إلى أمد طويل ، الطاقة تعطلت ، الماء تعطل ، ضغطة زر ، إذاً لابد من القوة .
أيها الإخوة الكرام ، الإسلام دين رباني ، أنزله الله تعالى على عباده ليضمن لهم سعادة الدنيا والآخرة ، ينشر العدل والمساواة ، ويحفظ للناس حقوقهم وأمنهم وحياتهم ، ويمكنهم من بسط هذا الحق ، ونشره في المحيط الذي يعيشون فيه ، بل إن الله عز وجل يطلب من عباده ، وهم أصحاب الحق أن يمتلكوا القوة ، ويكونوا على استعداد دائم لمجابهة أهل الباطل وإرهابهم ، حتى لا يتجرؤوا على مهاجمتهم ، والاستعلاء في الأرض بغير الحق ، لأننا لم نطبق هذه الآية ، هذه نتيجة إهمال هذه الآية :
[ سورة الأنفال : 60]
هذا أمر إلهي يقتضي الوجوب ، وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب :
[ سورة الأنفال : 60]
امتلاك القوة إلى جانب امتلاك الحق أمر ضروري للحفاظ على هذا الحق ، والأمن من كل الشرور التي تأتي من الأطراف المعادية .
والله الذي لا إله إلا هو لن يحترم ديننا إلا إذا كنا أقوياء لذلك :
[ سورة الأنفال : 60]
الإرهاب هنا لا بالمعنى الذي يشاع بالعالم الغربي ، الإرهاب يعني قوة الردع ، لا تستطيع جهة أن تفكر أن تعتدي على أمة قوية ، وهذا السلاح القوي قد لا يستعمل أبداً ، ولكنه أداة ردع من أن يعتدى علينا .
أيها الإخوة الكرام ، القرآن الكريم يذهب إلى أبعد من هذا يقول :
[ سورة البقرة : 193]
فتنوا الناس بالمرأة ، أشاعوا الفساد في الأرض ، نشروا الإباحية ، هذا من خططهم ، الإنسان متى يضعف ؟ إذا أصبح منجرفاً إلى اللذائذ المحرمة ، ما الذي تفعل هذه الفضائيات في العالم ، وعددها ثمانمئة فضائية ، نصفها فضائيات إباحية ، لماذا ؟ كانوا يجبروننا بالقوة المسلحة على أن نفعل ما يريدون ، هم الآن يجبروننا بالقوة الناعمة المرأة العارية على أن نريد ما يريدون ، هذه خطة ذكية محكمة أراد بها أعداؤنا أن نتخلى عن ديننا ، عندئذ نكون ضعافاً .
حينما أعلم وزير الدفاع الإسرائيلي أن ثلاثة وثمانين مليون اتصال تم من أجل اختيار أحد مغنيتين ، قال بالحرف الواحد ، وقد قرأت تصريحه بالإنترنت قال : إذاً مشكلتنا ليست مع المسلمين ، انتهت ، لكنها مع الإسلام ، مع هذا الدين العظيم .
أيها الإخوة الكرام :
[ سورة البقرة : 193]
الآن الدين للقوي ، والفتنة مستعرة ، والناس يلهثون وراءها .
أيها الإخوة الكرام ، نقرأ في القرآن الكريم قصة نموذجية في هذا المجال ، و قد شرحتها في درس طويل في خمسين دقيقة ، قصة قابيل وهابيل :
[ سورة المائدة ]
وحينما بقي هابيل الطرف المسحوق والضعيف مكتوف الأيدي أمام تهديدات أخيه قابيل الطرف الظالم والقوي وجد هذا الطرف فرصة سانحة ، ورأى الطريق مفتوحاً لتنفيذ جريمته ، والقضاء على أخيه ، ولم يكن هذا ليتحقق لو أن هابيل أخذ بحق القوة ، وحاول الدفاع عن نفسه ، و حماية قوة الحق التي معه .
فقابيل وهابيل يمثلان هنا منطقي حق القوة ، وقوة الحق في أجلّ سورة ، ونستنتج من هذه القصة النموذجية أن مصير الهابليين في هذه الحياة هو الذبح والموت على أيدي القابليين ، حينما يتخذون موقفاًَ كموقف هابيل ، والمطلوب في هذه الحالة هو التسلح بمنطق حق القوة إلى جانب منطق قوة الحق .
لا بد للحق أن يكون قوياً ، وإلا كما ترون ضغطة زر لطائرة تنهي حياة أمة .
أيها الإخوة الكرام ، لا شك أن جزاء هابيل والهابليين المؤمنين الصادقين المطيعين الملتزمين لا شك أن جزاء هؤلاء الهابليين الأخروي هو الجنة ورضاء الله عز وجل ، ولكن الأرض تخسر الكثير بغياب القوة عن حق هابيل .
أيها الإخوة الكرام ، الدعاة ، وأهل الحق يجب أن يعيشوا لكي يبلغوا رسالاتهم ، ولا يكفي أن يجسدوها في أنفسهم وحسب ، النبي عليه الصلاة والسلام هو قدوتنا ، وأسوتنا في الحياة بعامة ، وفي مسيرة الدعوة بخاصة من خلال دراستنا المتأنية والواعية لسيرته المطهرة يتبين لنا أنه صلى الله عليه وسلم لم يتمكن من تحقيق أهداف رسالته إلا بعد أن امتلك القوة المادية ، أي حق القوة ، إلى جانب قوة الحق .
من خلال النظر في شقي سيرته الأساسيين المكي والمدني يتضح لنا ما يلي في المرحلة المكية كان عليه الصلاة والسلام يملك قوة الحق ، وتحدى به خصومه الكافرين ، وأعجزهم عن الإتيان بدين آخر مضاد له فلم يستطيعوا ، قال تعالى :
[ سورة البقرة : 23]
ولكن رغم كل هذا ظلّ النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه في موقع الاستضعاف يلقون شتى أنواع التعذيب والتكذيب والاستهزاء ، ويمكننا تسمية هذه المرحلة بمرحلة تأسيس القاعدة الصلبة ، أو النواة الرئيسة للبناء الإسلامي المرتقب ، لا شك بأن هذه السياسة كانت عن قصد لتحقيق هدف نبيل ، وكان وراءها حكمة ربانية ، أهمها تربية الصحابة الكرام تربية صلبة لغرس الصفات الأساسية التي لا بد أن تتوافر في هذه النخبة من أصحاب رسول الله ، وكان عليه الصلاة والسلام في هذه المرحلة ، وقد نكون نحن في هذه المرحلة ، يطلب من أصحابه أن يصبروا على البلاء والشدة المادية ، ويؤكد لهم بأنها مرحلة خطيرة سرعان ما تمر ليحل محلها النصر والتمكين ، فقد جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام البخاري عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ : شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، قُلْنَا لَهُ : أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا ؟ أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا ؟ قَالَ :
(( كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ ، فَيُجْعَلُ فِيهِ ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ ، فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ ، أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ )) .
[ البخاري ]
إذاً المرحلة صعبة ، لعلنا نحن فيها أراد الله أن يمتحننا ، (( وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ ، أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ )) .
لا تقنطوا من رحمة الله ، قال تعالى :
[ سورة آل عمران : 139]
[ سورة آل عمران : 12]
[ سورة إبراهيم : 42]
أيها الإخوة الكرام ، عناصر القوة ، أو بعبارة عوامل النصر التي تتطلبها المعركة ، ويحتاج إليها النبي عليه الصلاة والسلام وكل الدعاة مِن وعده كانت متوافرة في مكة ، وليس في المدينة ، فالأرضية مثلاً كانت مناسبة في مكة أكثر من المدينة ، لأن المسلمين كانوا أهل البلد ، ويعرفونها جيداً ، وهذا يساعد كثيراً على التحرك ، ويضمن بالتالي مسيرة ثابتة ، ويصبغ الدعوة بصبغة شرعية مقبولة ، ومع كل هذا النبي عليه الصلاة والسلام نهى أصحابه بأمر رباني بمنع أي عمل آخر ريثما يكون له كيان مستقل .
أيها الإخوة الكرام ، أما في المدينة فيقول الله عز وجل :
[ سورة الحج ]
فاستطاعوا في أقل من ست سنوات مليئة بالغزوات والسرايا العسكرية أن يفرضوا على قريش معادلاتهم وشروطهم .
أيها الإخوة الكرام ، على ضوء ما سبق لا بد من أن نعد لأعدائنا القوة ، هكذا أمرنا الله عز وجل ، وأبدأ لكم بالجهاد البنائي :
يجب أن نبني أمتنا ، يجب أن نعمق اختصاصاتنا ، يجب أن نتقن أعمالنا ، يجب أن نتعاون ، يجب أن نتحابب ، يجب أن نلغي كل الخلافات بيننا من أجل أن نكون قوة متماسكة ، من أجل ألا يسهل اختراقنا .
أيها الإخوة الكرام ، ما مرت على الأمة الإسلامية مرحلة كهذه المرحلة هم بأشد الحاجة إلى التماسك ، إلى التعاون ، إلى التناصر ، إلى إتقان أعمالهم ، إلى التفوق في معاملهم ، في زراعتهم ، العامل والمزارع ، والمعلم ، والأب والأم ، والقاضي والأستاذ الجامعي ، كل فئة منا إذا أتقنت عملها ، وحملت همَّ أمتها لعل الله سبحانه وتعالى يرينا بعد حين بشائر النصر لهذه الأمة التي وصفها الله عز وجل بأنها خير أمة أخرجت للناس .
أيها الإخوة الكرام ، هذه الحقيقة أن المسلمين يجب أن يكونوا أقوياء ، ولا بديل لهذا الخيار ، لا بد من أن يكونوا أقوياء ، لأن العالم اليوم لا يحترم إلا القوي ، ولا يخشى إلا القوي ، ولا يخضع إلا للقوي ، والعالم كله اليوم ينافق للقوي ، دول العالم كلها تصمت صمتاً مخيفاً على كل الأعمال التي تقترفها الدولة الإسرائيلية ، وهم ساكتون ، أما إذا قتل واحد منهم تقوم الدنيا ولا تقعد .
أيها الإخوة الكرام ، الله جل جلاله وحده هو القوي ، ولا قوي سواه ، وكل قوة في الأرض في الذوات والأشياء مستمدة من قوة الله تأييداً أو استدراجاً ، أو تسخيراً لحكمة بالغة ، عرفها من عرفها ، وجهلها من جهلها ، قال تعالى :
[ سورة البقرة : 165]
أيها الإخوة الكرام ، كلمات متتالية أنقلها لمسامعكم ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ .....)) .
[ مسلم ، ابن ماجه ، أحمد]
آية كريمة :
[ سورة الشورى : 39]
كن عضواً في جمعية الأقوياء ، ولا تكن رأساً في قطيع النعاج ، قد تبدو ضعيفاً أيها المسلم ، لأنك قبلت أن تكون ضعيفاً ، فعش كما تريد ، ولكن لا بد من أن تعلم أنه بإمكانك أن تصبح قوياً ، إذا قلت : قوياً فقد تكون في مراحل طويلة جداً ، أن تكون قوياً بعلمك ، وقوياً في صناعتك ، وقوياً في زراعتك ، وقوياً في تجارتك ، وقوياً في إتقان عملك ، لأن قوة الأفراد تنتهي إلى قوة الأمة ، وقوة الأمة يعني صمودها أمام قوى العدوان والبغي .
إن الأقوياء بالحق هم السعداء ، والضعفاء بالباطل هم التعساء .
اعلموا أيها الإخوة الكرام يقيناً أن الشيء الذي لا تستطيعه هو الشيء الذي لا تريد أن تكونه ، كيف يطالعنا ضابط كبير في البنتاغون ، يقول : ماذا نفعل بحاملات الطائرات ؟ ماذا نفعل بهذه الأسلحة الجبارة ؟ ماذا نفعل بالصواريخ العابرات للقارات ؟ لأنه ما من دولة الآن تفكر أن تحاربنا ، لكن ماذا نفعل بهذا الإنسان الذي ضحى بحياته من أجل أن يهز كياننا ؟ الآن ثبات المقاومة هي الخيار الوحيد ، والله لولا المقاومة في العراق لاحتلت أكثر من دولة حول العراق ، لكن بالمقاومة راجعوا حساباتهم ، وهذه الضربة القاسية ضربة الخائف .
مرة سمعت تصريحًا لشارون أننا كنا في الماضي كانت مشكلتنا مشكلة أمن ، لكنها الآن مشكلة بقاء ، دققوا ، الآن مشكلة الكيان الصهيوني مشكلة بقاء ، وهذه الضربة المجنونة ضربة الجبان والخائف .
أيها الإخوة الكرام ، اعلم يقيناً أن الشيء الذي لا تستطيعه هو الشيء الذي لا تريد أن تكونه ، القوة مطلب أساسي ، وإلا فلا قيمة للحياة من دون قوة ، إن القوة مصدر للثقة ، والثقة لا تجد إلا في قلوب الأقوياء ، وإذا أردت القوة الحقيقية فابحث عن قوة لا تحتاج إلى غيرها ، إنها قوة الله عز وجل ، إن الجبن والخور ، والاستكانة والاستسلام ، والانهزامية والذل ، و جميع المفردات في قاموس الضعف مرفوضة في حياة الأقوياء ، فأنت كائن لم تخلق لتكون مسلوب الإرادة ، بارد الهمة ، تأمل دعاء النبي عليه الصلاة والسلام ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ :
(( دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ : أَبُو أُمَامَةَ ، فَقَالَ : يَا أَبَا أُمَامَةَ ، مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ ، قَالَ : هُمُومٌ لَزِمَتْنِي ، وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ ، وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : قُلْ : إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ ، قَالَ : فَفَعَلْتُ ذَلِكَ ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي ، وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي )) .
[ أبو داود ]
لا تتردد لحظة في الانتساب لعضوية نادي الأقوياء ، لديك عملاق ينام بين جنبيك ، ابحث عنه حتى لا تموت ، وأنت تعيش بين الأحياء .
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
***
والله سألني مرة طفل صغير : ماذا أفعل ؟ قلت له : كن متفوقاً في دراستك .
أنا أقول لكم أيها الإخوة الكرام : الآن نحن بحاجة إلى جهاد بنائي ، قال تعالى :
[ سورة الأنفال : 60]
كل إنسان من المسلمين من أهل هذا البلد الطيب عليه أن يضاعف جهده ، ويتقن عمله ، ويحمل هم أمته حتى تتكون القاعدة الصلبة التي تكون أساساً للنصر القادم ، إن شاء الله تعالى .
أدعوكم مرة ثانية ، لا تقنطوا ، لا تيئسوا ، لن يضيعنا الله عز وجل الله عز وجل ، بل يعالجنا ، نحن في العناية المشددة ، نحن مقصرون ، نحن انبهرنا بالغرب ، نسينا ديننا ، الله عز وجل يعالجنا ، قال تعالى :
[ سورة البقرة : 249]
لكن هذا الذي لا يحمل هم أمته اقرأ عليه السلام ، هذا الذي لا يبكي ، وهو يرى ما يفعل بإخوتنا في فلسطين اقرأ عليه السلام ، هذا لا ينتمي إلى هذه الأمة ، هذا لا وزن له عند الله عز وجل .
أنا لا أقول لكم إلا الشيء الذي هو مألوف في الحياة العامة : من يمنعك أن تكون متقناً لعلمك ؟ من يمنعك أن تنفع المسلمين ؟ من يمنعك أن تتلافى غشهم ، أن تتلافى الغش عليهم ، أن تتلافى ابتزاز أموالهم ؟ من يمنعك أن تعتدي عليهم ، من يمنعك ؟ جميع أسباب القوة بين أيديكم ، أكبر أسباب القوة أن نستقيم على أمر الله ، فإذا استقمنا استحققنا من الله أن ينصرنا ، لأن النصر من عند الله .
والله الذي لا إله إلا هو الخيارات جميعاً بأيدينا ، بأيديكم ، وبأيدي كل مسلم ، من يمنعك أن تكون مستقيماً ؟ من يمنعك أن تطبق منهج الله في بيتك ، وفي عملك ، وعندئذ ترى كيف أن الله يمدنا من نصره ، ويهزم أعداءنا .
مرة وضعوا في طائرتي هيلوكبتر مئة وخمسة وعشرين ضابط كومندوس إسرائيلي ، كلف الضابط خمسة ملايين دولار ، ما بين يتعلم اللغة العربية ، والعامية ، ولغة جنوب لبنان ، والصراع الياباني ، والصراع الحر ، والسلاح الأبيض ، ولغات ، وأجهزة ، وأدوات ، وقعت الطائرة العلوية فوق السفلية ، ووقعت الطائرتان فوق مستعمرة إسرائيلية ، ولم تمنَ إسرائيل في تاريخها منذ نشأتها بخسارة كهذه الخسارة ، الله موجود ، زلزال تسونامي قدرته مليون قنبلة ذرية ، الله موجود ، بيده النصر ، ولكن يجب أن نكون نحن من مستحقي النصر .
كنت أدعو ، وأقول : اللهم انصرنا على أنفسنا حتى ننتصر لك حتى نستحق أن تنصرنا على أعدائنا ، قال تعالى :
[ سورة الصافات : 173]
[ سورة الروم : 47]
[ سورة آل عمران : 139]
[ سورة غافر : 51]
[ سورة الروم : 55]
الخيارات بأيديكم أيها الإخوة الكرام ، الخيارات بيد كل مسلم ، استمعوا إلى الأخبار ، واستمعوا إلى التحليل ، واقبلوا بعضه ، ولا تقبلوا بعضه الآخر ، ولا تنسوا ثانية واحدة أن الله موجود ، وأن الله قادر على أن يقلب موازين القوى في ثانية واحدة .
أيها الإخوة الكرام ، تفاءلوا ، كونوا أقوياء في نفوسكم ، كونوا أقوياء بإيمانكم ، أخلصوا ، أزيلوا كل خلاف بينكم ، ف عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ ، لَا أَقُولُ : تَحْلِقُ الشَّعَرَ ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ )) .
[ الترمذي ]
أيها الإخوة الكرام ، سؤال قد يسألني أحدكم : كيف نبحث عن القوة ونحن ضعفاء ؟ إن الحديث عن القوة النابعة من الضعف ليس قوة إلى الرضا بالضعف ، أو إلى السكوت عليه ، بل هو دعوة لاستشعار القوة حتى في حالة الضعف ، إذاً يجب أن نبحث في كل مظنة ضعف عن سبب قوة كامنة فيه ، و لو أخلص المسلمون في طلب ذلك لوجدوه ، و لصار الضعف قوة ، لأن الضعف ينطوي على قوة مستورة يؤيدها الله في حفظه و رعايته ، فإذا قوة الضعف تهد الجبال ، و تدك الحصون ، كما ترون وتسمعون ، أنت قوي هذا سر ضعفك ، و أنت ضعيف هذا سر قوتك ، لذلك نستطيع أن نقابل القنبلة الذرية بقنبلة الذُرية .
يوم استطاع صلاح الدين أن يقف في وجه الغزو الفرنجي لخمسين عاماً بدأ بتعليم الصغار مبادئ الدين ، و قيم الدين و الانضباط ، لم يكن انتصاره معجزة ، كان وفق السنن الإلهية ، هذه حقيقة يجب أن نعلمها .
أيها الإخوة الكرام ، أخشى ما أخشاه على نفسي وعليكم أن نهزم من الداخل ، أخشى ما أخشاه أن تضعف همتنا ، أن نشعر بالإحباط ، أن يقول أحدنا : انتهينا ، انتهى المسلمون ، هذه من سنن الله عز وجل :
[ سورة آل عمران : 140]
الله عز وجل يضع المؤمنين أحياناً في امتحان صعب جداً ، يقوي القوي ، يقوي القوي ، يقوي القوي ، إلى أن يفعل ما يريد ، وإلى أن يتوهم أنه إله .
جندي إسرائيلي قال : أنا إله أطلق النار على فلسطيني فأقتله ، ولا أطلق عليه النار فأبقيه حياً ، أنا إله ، هم متألهون ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (( الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي ، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ )) .
[ أبو داود]
[ سورة آل عمران : 139]
نحن أقوياء بإيماننا ، أقوياء بديننا ، أقوياء بمنهج ربنا ، أقوياء بانضباطنا ، فلذلك أيها الإخوة قووا أنفسكم ، و هذا متاح لكم في أعمالكم ، و في بيوتكم ، أقم أمر الله في نفسك ، أقم أمر الله في بيتك ، أقم أمر الله في عملك ، و انتهت مهمتك ، و على الله الباقي ، انتهت مهمتك ، وحينما قال الله عز وجل :
[ سورة آل عمران : 139]
وحينما قال :
[ سورة النور : 55]
و الله الذي لا إله إلا هو زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، لا تقنطوا من رحمة الله ، ولكن لا يخافن العبد إلا ذنبه ، و لا يرجون إلا ربه ، وفي الأثر : أنا ملك الملوك ، ومالك الملوك ، قلوب الملوك بيدي ، فإن العباد أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة و الرحمة ، و إن العباد عصوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالسخطة و النقمة ، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك ، و ادعوا لهم بالصلاح ، فإن صلاحهم بصلاحكم .
بربكم هؤلاء الفتيات الكاسيات العاريات ألسن مسلمات ؟ ألسن من آباء مسلمين ؟ أليس معظم آبائهم يرتادون المساجد ؟ وتعتب على الله بعد ذلك ، وتعتب على الله وتقول : أين الله ؟ أقول لك : أين أنت ؟ في أي مستنقع يعيش المسلمون ؟
أيها الإخوة الكرام ، سامحوني إن قسوت عليكم ؟ و الله أنا متألم ؟ وذكرت لكم في أول هذه الخطبة ؟ والله ما تمنيت في حياتي أن أسكت إلا في هذا الأسبوع ؟ لأنني لم أحتمل هذه الأخبار ، أين حقوق الإنسان ؟ أين الحرية ؟ أين الديمقراطية ؟ أين الرفق بالحيوان ؟
أيها الإخوة الكرام ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه ؟ وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ؟ وتمنى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .
* * *
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ؟ وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أيها الإخوة الكرام ، مفارقة حادة : الناس مشغولون بالرياضة ، بالمونديال ، يسهرون إلى قبيل الفجر في الملاهي ، على الأسطحة ، في المطاعم ، يتابعون هذه المباراة ، وإخوتهم في فلسطين يذبحون ويقتلون ، لذلك هذه الحادثة وجد مثلها في الأندلس ، والقصيدة التي قالها أبو البقاء الرندي ، والتي تعد من الأدب العالمي ، والتي ترجمت إلى أربعة عشر لغة مطلعها :
لكل شيء إذا ما تم نقـصان فلا يُغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان
يقول في هذه القصيدة :
يا راكبين عتاق الخيل ضامرة .
الآن السيارات الفخمة ، و النماذج الحديثة جداً ، والمكيفة والمستوردة :
يا راكبين عتاق الخيــــل ضامرة كأنها في مجـال السبق عقبان
و حاملين سيوف الهند مرهفــــة كأنها في ظلام النقــع نيران
و راتعين وراء البحر في دعــــة لهم بأوطانهم عز وسلــطان
أعندكم نبأ من أهل الأندلـــــس فقد سرى بحديث القوم ركبان
كم يستغيث بنا المستضــعفون وهم قتلى و أسرى فلا يهتز إنسان
فلو تراهم حيارى لا دليل لهــــم عليهم من ثياب الذل ألــوان
يا رب أم و طفل حيل بينهمــــا كما تفرق أرواح و أبــدان
و طفلة مثل حسن الشمس إن طلعت كأنما هي ياقـوت و مرجان
يقودها العلج للمكروه مكرهــــة و العين باكية و القلب حيـران
لمثل هذا يبكي القــــلب من كمد إن كان في القلب إسلام و إيمان
أيها الإخوة الكرام ، لو أن أحدكم قال : ماذا نفعل ؟ أقول لك : كن مسلماً ، أقول لك : طبق الإسلام في بيتك ، و في عملك ، و انتهت مهمتك ، و على الله الباقي .
إذا فعلنا هذا كأننا قدمنا لله سبباً أن ينصرنا ، أما إن كانت بيوتنا فيها المعاصي والآثام ، وفيها المنكرات ، وفيها الاختلاط ، وفيها أكل المال الحرام ، وفي أعمالنا كسب حرام وغش للمسلمين ، فلا نطمع أن ننتصر على أعدائنا ، لأن هذه الدنيا يصلح فيها الكفر والعدل ، ولا يصلح فيها الظلم والإيمان أبداً .
لننظر إلى بنيتنا التحتية ، إلى أسرنا ، إلى أعمالنا ، إلى معاملنا ، إلى مؤسساتنا ، هناك ظلم كبير ، الزوج يظلم زوجته ، والأب يظلم ابنه أحياناً ، والجار يظلم جاره ، والشريك يظلم شريكه ، لذلك ما لم نعد إلى الله عز وجل تائبين مصطلحين معه مطبقين لمنهجه ينبغي ألا نطمع أن ينصرنا الله على أعدائنا .
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ، ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك و نتوب إليك ، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وأذل الشرك والمشركين خذ بيد ولاة المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .
و الحمد لله رب العالمين
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]